عادَتْ هاماتُ الجبالِ شيباً، ولبست من الثلجِ مُلاءً قشيباً. قد صار البَردُ حجاباً، والثلج حِجاناً، بَرْدٌ يزوي الوجوه، ويُعمِّشَ العيون، ويُسيل الأنوفَ، ويغير الألوان، ويقشف الأبدان، نحن من هذا الشتاءِ الكَلِبِ بين لَثِق وَزلِقٍ ودَمِقٍ.
وَصْفُ الأيام الشتويّةِ
يومٌ كأنَّ الأرض شابتِ لهوله، يومٌ عبوسٌ قمطريرٌ، يكشف عن أنياب الزمْهرير، ويفترش بالقوارير، يومٌ أخذت الأرض زِمامه، وكساه الصِّر ثيابه، يومٌ كأن الدنيا فيه كافورة، والأرض قارورة، والسماء بلّورة، يومٌ يثقل فيه الخفيف إذا هَجمَ ويخف الثقيل إذا مجر، يوم أرضُه كالقوارير اللامعةِ وهواؤهُ كالزنابير اللاسعة.
إقبالُ الليلِ وانتشارُ الظلمةِ وطلوعُ الكواكب
أقبلتْ عساكرُ الليل، خفقتْ راياتُ الظلام، أرخى الليل سدولَه، وسحبَ الظلامُ ذيولَهُ، أقبلتْ وفودُ النجومِ، تفتَّحت أزاهيرُ الكواكب، نوّرَتْ حدائقُ الجَوِّ، أذكى الفَلَكُ مصابيحَه، طَغَت النجومُ في بحر الدُّجى.
وَصْفُ اللّيالي المُظلمة
ليلةٌ كغُراب الشباب، وحدق الحسان، وذوائب العذارى، ولباس بني عباس، ليلةٌ كأنها من الغَبَش، في موكبٍ من الحَبَش، ليلةٌ حالِكٌ إهابُها، وكأن الفجر يهابُها.
الليلةُ الطَّلْقة الطّيِّبة المشكورة
ليلةٌ سحرٌ كلُّها، ليلة هواها صحيح، ونسيمُها عليل، ليلةٌ كأنها نهار، ليلةٌ من حسناتِ الدهر، ليلةٌ فضيَّةُ الأديم، مِسكيَّةُ النسيم، ليلة باكورةُ العمر، وبِكر الدَّهر، ليلة