فِي الموطن، وَجه صاحبنا القَاضِي؛ فَإِذا هُوَ على هَيْئَة المتخشع، لمفارقته المألوف قبل من أيمة الخطة، وتكاتف الْحَاشِيَة، وترادف الوزعة. فتذكرت عِنْد ذَلِك الْحِكَايَة الَّتِي نقلهَا الْحسن بن مُحَمَّد بن أبي مُحَمَّد بن أَسد، وَقد أثبتها ابْن بشكوال أَيْضا فِي صلته. وَهِي أَن السُّلْطَان كَانَ قد تخيره لقِرَاءَة الْكتب الْوَارِدَة عَلَيْهِ بالفتوح بِالْمَسْجِدِ الْجَامِع من قرطبة على النَّاس، لفصاحته، وجهارة صَوته؛ فَتَوَلّى لَهُ ذَلِك مُدَّة قوته ونشاطه؛ فَلَمَّا بدن، وتثاقل، استعفاه؛ فأعفاه، وَنصب سواهُ. فَكَانَ يَقُول عِنْد ذكره الْولَايَة والعزل: مَا وليت لبني أُميَّة ولَايَة قطّ غير قِرَاءَة كتب الْفتُوح على الْمِنْبَر {فَكنت أنصب فِيهِ، واتحمل الكلفة دون رزق وَلَا صلَة. وَلَقَد كسلت مُنْذُ أعفيت عَنْهَا، وخامرني ذل الْعُزْلَة} وَلم تكن نفس الْخَطِيب أبي عبد الله المستعفى عَن الْقَضَاء بِتِلْكَ الْمنزلَة الْمُوَحدَة؛ ولاكنه ظهر لي إِذْ ذَاك، لأجل مَا تَخَيَّلت من انفعاله، أَن كتبت لَهُ، عِنْد حُلُوله بمنزله، بالأبيات المثبوتة بعد على جِهَة التسلية، والتغبيط بِالتَّخْلِيَةِ. والمنظوم هُوَ مَا نَصه: لَك الله با بدر السَّعَادَة والبشر ... نشرت بِأَعْلَى راية الْفَخر وَلَا سِيمَا لما وليت أمورها ... فرويتها من عذب نائلك الْغمر ودارت قضاياها عَلَيْك بأسرها ... على حِين لَا بُد يَمِين على بشر فَقُمْت بهَا خير الْقيام مصمماً ... على مثل تصميم المهندة السمر فسر بك الْإِسْلَام يَا ابْن حماية ... وأمست بك الْأَحْكَام باسمه الثغر تعيد عَلَيْك الْحَمد ألسن حَالهَا ... وَتحفظ مَا يرضيك من سور الشُّكْر وَلَكِنَّك استعفيت عَنْهَا تورعاً ... وَتلك سَبِيل الصَّالِحين كَمَا تدرى جريت على نهج السَّلامَة فِي الَّذِي ... تخيرته فابشر بأمنك فِي الْحَشْر وحقق بِأَن الدّين ولاك خطة ... من الْعِزّ لَا تنفك عَنْهَا مدى الْعُمر تزيد على مر الجديدين جدة ... وتسرى النُّجُوم الزاهرات وَلَا تسر وَمن لاحظ الْأَحْوَال وازن بَينهَا ... وَلم ير للدنيا الدينة من خطر وَأمسى لأنواع الْولَايَة نابذاً ... فَقير نَكِير أَن تواجه من نكر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute