فَأمر بِهِ أَن يرْبط ويصعد بِهِ على سقف الْجَامِع؛ فَقيل لَهُ: تقبل؟ فَقَالَ: لَا {فَأخذ لِيطْرَح؛ فَلَمَّا رأى الْعَزْم قَالَ: قبلت. فأجلس فِي الْجَامِع وَمَعَهُ حرس؛ فَتقدم إِلَيْهِ خصمان؛ فَنظر إِلَيْهِمَا وَبكى طَويلا؛ ثمَّ رفع رَأسه، فَقَالَ لَهما: سألتكما بِاللَّه} أَلا أعفيتماني من أنفسكما، وَلَا تَكُونَا أول مشوش عَليّ {فرحماه، وقاما عَنهُ. فَأعْلم الحرس بذلك روحاً؛ فَقَالَ: اذْهَبُوا إِلَيْهِ، فَقولُوا لَهُ يُشِير علينا بِمن نولي أَو مَا قبل. فَقَالَ: إِن يكن، فعبد الله بن غَانِم؛ فَإِنِّي رَأَيْته شَابًّا لَهُ صبَابَة يَعْنِي بمسائل الْقُضَاة. فَعَلَيْك بِهِ} فَإِنَّهُ يعرف مِقْدَار الْقَضَاء. فولى ابْن غَانِم؛ فَكَانَ يشاوره فِي كثير من أُمُوره وَأَحْكَامه؛ فأشفق ابْن فروخ من ذَلِك، وَقَالَ لَهُ: يَا ابْن أخي {لم أقبلها أَمِيرا أقبلها وزيراً} وَخرج إِلَى مصر هرباً من ذَلِك وورعاً، وَمَات هُنَالك. وَمِمَّنْ عرض عَلَيْهِ الْقَضَاء بإفريقية، فَامْتنعَ مِنْهُ، أَبُو ميسرَة أَحْمد بن نزار. فَلَمَّا عرض عَلَيْهِ قَالَ: اللَّهُمَّ {إِنَّك تعلم أَنِّي انْقَطَعت إِلَيْك، وَأَنا ابْن ثَمَانِي عشرَة سنة} فَلَا تمكنهم مني {فَمَا جَاءَ الْعَصْر إِلَّا وَقد توفّي. فَغسل وكفن وَخرج بِهِ. فَوجه إِلَيْهِ الْأَمِير إِسْمَاعِيل الْعَبْدي كفناً وطيباً فِي الأطباق؛ فوافاه الرَّسُول على النعش؛ فَجعل عَلَيْهِ الْكَفَن من فَوق. وَمن غَرِيب مَا حكى عَنهُ أَنه بَينا هُوَ يتهجد لَيْلَة من اللَّيَالِي ويبكي وَيَدْعُو، إِذا بِنور عَظِيم، خرج لَهُ من حَائِط الْمِحْرَاب، وَوجه كَأَنَّهُ الْبَدْر. فَقَالَ: تملأ، يَا أَبَا ميسرَة} من وَجْهي: فَإِنِّي رَبك الْأَعْلَى {فبصق فِي وَجهه وَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ يَا مَلْعُون} يَا شَيْطَان {لعنك الله} قَالَ الْمُؤلف رَضِي الله عَنهُ {: التَّوْفِيق صحب ابْن نزار عِنْد مشاهدته لما أخبر عَنهُ بحائط محرابه؛ فثبتت الْمعرفَة قدمه، وأنطقت بِالصَّوَابِ لِسَانه. فذات الْقَدِيم سُبْحَانَهُ ذَات مَوْصُوفَة بِالْعلمِ، مدركة بِلَا إحاطة، وَلَا مرءية بالأبصار فِي دَار الدُّنْيَا؛ وَهِي مَوْجُودَة بحقائق الْإِيمَان، من غير حد، وَلَا إحاطة، وَلَا حُلُول؛ فالقلوب تعرفه، والعقول لَا تُدْرِكهُ؛ ينظر إِلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ فِي الْآخِرَة بالأبصار، بِغَيْر إحاطة، وَلَا إِدْرَاك نِهَايَة. وَمن بَاب التمنع عَن المسارعة إِلَى الْأُمُور الَّتِي يخَاف من الدُّخُول فِيهَا، السُّقُوط فِي الْفِتْنَة، مَا جرى لجَعْفَر بن الْحسن بن الْحسن الأمدي قَاضِي بلنسية آخر أَيَّام قَضَائِهِ بهَا. وَذَلِكَ أَنه بُويِعَ لمروان بن عبد الْعَزِيز ببلنسية، عِنْد انْقِرَاض الدولة اللمتونية، طلب بِالشَّهَادَةِ فِي بيعَته فَقَالَ: وَالله} لَا أفعل وبيعة تاشفين فِي عنقِي {ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute