للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شهوتها، قليلها وكثيرها، مَالهَا وجاهها. بِأَمْر آخر {وَمن لنا بالعون على تَحْصِيل هَذَا الْمقَام، وَلَا سِيمَا فِي هَذَا الزَّمَان، وَلم نسْمع مِمَّن قاربه من الْوُلَاة الْمُتَقَدِّمين بالأندلس إِلَّا مَا حكى عَن إِبْرَاهِيم بن أسلم، وَقد أَرَادَ الحكم الْمُسْتَنْصر بِاللَّه رياضته؛ فَقطع عَنهُ جرايته؛ فَكتب إِلَيْهِ عِنْد ذَلِك: تزيد على الإفلال نَفسِي نزاهة ... وتأنس بالبلوى وتقوى مَعَ الْفقر فَمن كَانَ يخْشَى صرف دهر فإنني ... أمنت بِفضل الله من نوب الدَّهْر فَلَمَّا قَرَأَ الحكم بيتيه، أَمر برد الجراية، وَحملهَا إِلَيْهِ. فَأَعْرض عَنْهَا، وتمنع من قبُولهَا، وَقَالَ: إِنِّي، وَالْحَمْد لله} تَحت جراية من إِذا أعصيته، لم يقطع عني جرايته {فَلْيفْعَل الْأَمِير مَا أحب} فَكَانَ الحكم بعد ذَلِك يَقُول: لقد أكسبنا ابْن أسلم بمقالته مخزاة عظم منا موقعها، وَلم يسهل علينا المقارضة بهَا {وَتَوَلَّى الشَّيْخ أَبُو البركات الْقَضَاء فِي بِلَاد عديدة، مِنْهَا مالقة: تقدم بهَا بعد شَيخنَا أبي عَمْرو بن مَنْظُور، وَذَلِكَ صدر عَام ٧٣٥؛ ثمَّ نقل إِلَى قَضَاء الْجَمَاعَة بِحَضْرَة غرناطة والخطابة بهَا. وَكَانَ مُسْتَوْفيا لشروط الْخطْبَة وجوبا وكمالاً من صُورَة وهيئة، وَطيب نَغمَة، وَكَثْرَة خشوع، وتوسط إنْشَاء. وَشهر بالصرامة فِي أَحْكَامه، والنزاهة أَيَّام نظره. ثمَّ تَأَخّر عَن قَضَاء الحضرة، وَأقَام بهَا مُدَّة، إِلَى أَن صير إِلَى مَدِينَة المرية} ثمَّ أُعِيد إِلَى قَضَاء الْجَمَاعَة، وَاسْتعْمل فِي السفارة بَين الْمُلُوك؛ فصحبه السداد، ورافقه الإسعاد، وَكَانَ فِي أطواره سريع التكوين، طامعاً فِي الْوُصُول إِلَى مقَام التَّمْكِين، كثير الِانْتِقَال من قطر إِلَى قطر، وَمن عمل إِلَى عمل، من غير اسْتِقْرَار منزل أَو مَحل وَاحِد. وَلذَلِك قَالَ فِي أبياته الَّتِي أَولهَا: إِذا تَقول: فدتك النَّفس فِي حَالي ... يفنى زماني فِي حل وترحال وَكَانَ التَّكَلُّم بالشعر من أسهل شَيْء عَلَيْهِ، فِي كثير مراجعاته، وفنون مخاطباته. وَله مِنْهُ ديوَان كَبِير، يحتوي من ضروب الْأَدَب على جد وهزل، وسمين وجزل، سَمَّاهُ ب العذب والاجاج؛ وَكتاب وسمه ب المؤتمن فِي أنباء من لقِيه من أَبنَاء الزَّمن.

<<  <   >  >>