نَفسه، أعفى، وَأَن يكون رزقه كفافاً من المَال الفئ. وَكَانَ من صُدُور الْقُضَاة، وَذَوي الْمذَاهب الجميلة، شَدِيد الشكيمة، ماهر الْعَزِيمَة. قَالَ أَحْمد بن خَالِد: وَكَانَ أول مَا أنفذه فِي قَضَائِهِ التسجيل على الْأَمِير الحكم؛ فِي رحى القنطرة، إِذْ قيم عَلَيْهِ فِيهَا، وَثَبت عِنْده من الْمُدعى وَسمع من بَينته مَا اعذر بِهِ إِلَى الْأَمِير الحكم؛ فَلم يكن عِنْده مدفع. فسجل فِيهَا، وَأشْهد على نَفسه. فَلَمَّا مَضَت مدَّته، ابتاعها ابتياعاً صَحِيحا. فَكَانَ الحكم بعد ذَلِك يَقُول: رحم الله مُحَمَّد بن بشير {لقد أحسن فِيمَا فعل بِنَا على كره منا: كَانَ بِأَيْدِينَا شَيْء مشتبه؛ فصححه لنا، وَصَارَ حَلَالا، طيب الْملك فِي أعقابنا} وَمِمَّا يذكر عَلَيْهِ أَن رجلا كَانَ يُدَلس فِي كتب الوثائق، وَإنَّهُ عقد وَثِيقَة بَاطِل على رجل من التُّجَّار، وَقَامَ بذلك عِنْد مُحَمَّد بن بشير. فَلَمَّا صَحَّ لَدَيْهِ تدليسه، أَمر بِقِطْعَة؛ فَقطعت يَده. وَكَانَ إِذا اخْتلفت عَلَيْهِ الْفُقَهَاء بقرطبة، وأشكل عَلَيْهِ الْأَمر فِي قَضِيَّة، كتب إِلَى عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بِمصْر، وَإِلَى عبد الله بن وهب، وأشباههما؛ وَرُبمَا قبل الشَّاهِد على التوسم. وَنقل عَن عبيد الله بن يحيى عَن أَبِيه أَنه قَالَ لمُحَمد بن بشير: إِن الْحَالَات تَتَغَيَّر، وَلَا تثبت. فَإِذا عدل عنْدك الرجل بِحكم شَهَادَته، ثمَّ تطاول أمره، وَشهد عنْدك ثَانِيَة، فكلفه التَّعْدِيل، وَأخر فِيهِ الْكَشْف؛ فاعمل بِحَسب الَّذِي يَبْدُو لَك. فَقبل ذَلِك مِنْهُ ابْن بشير. فَلَمَّا أشعر النَّاس بِهِ أخذُوا حذرهم مِنْهُ. وَمن كتاب مُحَمَّد بن حَارِث، حَدِيث أَحْمد بن خَالِد؛ قَالَ: سمعنَا مُحَمَّد بن وضاح يَقُول: وكل سعيد الْخَيْر بن الْأَمِير عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة عِنْد القَاضِي مُحَمَّد بن بشير وَكيلا يُخَاصم عَنهُ فِي شَيْء اضْطر إِلَيْهِ. وَكَانَت بِيَدِهِ فِيهِ وَثِيقَة، فِيهَا شَهَادَات من أهل الْقبُول، وَقد أَتَى عَلَيْهِم الْمَوْت؛ فَلم يكن فِيهَا من الْأَحْيَاء إِلَّا الْأَمِير الحكم بن هِشَام وَشَاهد آخر مبرز. فَشهد ذَلِك الشَّاهِد عِنْد القَاضِي، وَضربت الْآجَال على وَكيله فِي شَاهد ثَان رجى بِهِ الْخِصَام فَدخل سعيد الْخَيْر بِالْكتاب إِلَى الْأَمِير الحكم، وَأرَاهُ شَهَادَته فِي الْوَثِيقَة وَكَانَ قد كتبهَا قبل الْإِمَارَة، فِي حَيَاة وَالِد وعرفه مَكَان حَاجته إِلَى أَدَائِهَا عِنْد قاضيه، خوفًا من بطول حَقه. وَكَانَ الحكم يعظم سعيد الْخَيْر عَمه، وَيلْزم مبرته؛ فَقَالَ لَهُ: يَا عَم! إِنَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute