فِي الْفِرْيَة وَالطَّلَاق وَالْعتاق وأشباهه. ثمَّ قَالَ القَاضِي: ومسائل هَذَا الْبَاب كَثِيرَة. وَالْمرَاد مِنْهُ الْإِعْلَام بالمذاهب فِي الشَّاهِد وَالْيَمِين. وَمَا جرى بِهِ الْعَمَل فِي الأندلس وَقد ذَكرْنَاهُ، وَمن صَحَّ نظهر فِي أَحْوَال النَّاس الْيَوْم والمعرفة باخْتلَاف الشَّهَادَات لم تطب نَفسه على الْقَضَاء، وَلَا مَعَ الشَّاهِد المبرز فِي الْعَدَالَة والنباهة. وَالله الْمُوفق للصَّوَاب {وَترك الحكم بِالشَّاهِدِ الْوَاحِد مَعَ الْيَمين من الْمسَائِل الْأَرْبَع الَّتِي خَالف أهل الأندلس فِيهَا قَدِيما مَذْهَب مَالك بن أنس؛ وَهِي أَن لَا يحكموا بالخلطة، وَلَا بِالشَّاهِدِ الْيَمين. وأجازوا كِرَاء الأَرْض بالجزء مِمَّا يخرج مِنْهَا، وَهُوَ مَذْهَب اللَّيْث بن سعد، وأجازوا غرس الشّجر فِي الْمَسَاجِد، وَهُوَ مَذْهَب الْأَوْزَاعِيّ. وَلم يزل مُحَمَّد بن بشير مُتَوَلِّيًا خطة الْقَضَاء إِلَى أَن توفّي سنة ١٩٨. قَالَ عَنهُ بَقِي بن مخلد، وَقد ذكره، وَأثْنى عَلَيْهِ: كَانَت لَهُ فِي قضاياه مَذَاهِب ودقائق، لم تكن لأحد قبله بالأندلس، وَلَا بفاس، وَلَا بِمن تقدم من صُدُور هَذِه الْأمة رَحمَه الله وأرضاه} وَمن المطالب الَّتِي للْقَاضِي على سُلْطَانه، حَسْبَمَا شَرطه ابْن بشير مُحَمَّد بتوليته، والإعانة لَهُ على مَا أَهله إِلَيْهِ من الْقيام بخطته، وإمضاء أَحْكَام الْحق على جِهَته والأقربين من عشيرته، فضلا عَن خوله وحاشيته. وَقد كَانَ الْخَلِيفَة الْمَدْعُو بالمنصور، من بنى الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، بالمثابة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا من شموخ أَنفه وسمو سُلْطَانه. فَمَا زَاده التذلل للْحكم الشَّرْعِيّ إِلَّا رفْعَة إِلَى رفعته، وَعزة إِلَى عزته. فقد جرى حَتَّى الْآن الْمثل بِمَا حدث لَهُ مَعَ مُحَمَّد بن عمرَان، قَاضِي الْمَدِينَة فِي وقته: وَذَلِكَ أَنه لما وصل إِلَيْهَا حَاجا، تظلم مِنْهُ الجمالون، وصاحوا على القَاضِي. قَالَ الشَّيْبَانِيّ: فَكنت كَاتبه؛ فَأمرنِي أَن أكتب إِلَى الْمَنْصُور رقْعَة فِي الْحُضُور مَعَ من تظلم مِنْهُ. فَقلت: تعفيني من هَذَا {فَإِنَّهُ يعرف خطي} فَقَالَ: إِذا لَا يحملهَا غَيْرك {فَكتب، تمّ ختم الْكتاب، ومضيت، ودفعته إِلَى الرّبيع، واعتذرت. وَقَالَ: لَا عَلَيْك} وَدخل بِالْكتاب، ثمَّ خرج؛ فَقَالَ: أَيهَا النَّاس! إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يقْرَأ عَلَيْكُم السَّلَام؛ وَيَقُول لكم: قد دعيت إِلَى مجْلِس الحكم الشَّرْعِيّ؛ فَقَالَ يَتبعني أحد مِنْكُم، وَلَا يكلمني، وَلَا يقم إِلَى إِذا خرجت.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute