للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعيدَة التباين أَيْضا. وَالْأَصْل فِي هَذَا عِنْدِي وَالله الْمُوفق للصَّوَاب {أَن من كَانَ الْخَيْر أغلب عَلَيْهِ من الشَّرّ، وَكَانَ متنزهاً عَن الْكَبَائِر، فَوَاجِب أَن تعْمل شَهَادَته؛ فَإِن الله تَعَالَى قد أخبرنَا بِنَصّ الْكتاب أَن: " من ثقلت مَوَازِينه فَهُوَ فِي عيشة راضية. " وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: " فَأُولَئِك هم المفلحون} " فَمن ثقلت مَوَازِين حَسَنَاته بِشَيْء، لم يدْخل النَّار؛ وَمن اسْتَوَت حَسَنَاته وسيآته، لم يدْخل الْجنَّة فِي زمرة الداخلين أَولا؛ وهم أَصْحَاب الْأَعْرَاف، فَذَلِك عُقُوبَة لَهُم، إِذْ تخلفوا أَن تزيد حسناتهم على سيآتهم. فَهَذَا حكم الله فِي عباده. وَنحن إِنَّمَا كلفنا الحكم بِالظَّاهِرِ؛ فَمن ظهر لنا أَن خَيره أغلب عَلَيْهِ من شَره، حكمنَا لَهُ بِحكم الله بعباده؛ وَلم نطلب لَهُ على الْبَاطِن. وَلَا كلفه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم! فقد ثَبت عَنهُ أَنه قَالَ: إِنَّمَا أَنا بشر، وَأَنْتُم تختصمون إِلَيّ؛ ولقل بَعْضكُم أَن يكون ألحق بحجته من بعض؛ فأحكم لَهُ على نَحْو مَا أسمع بِأَحْكَام الدُّنْيَا على ماظهر، وَأَحْكَام الْآخِرَة على مَا بطن، لِأَن الله تَعَالَى يعلم الظَّاهِر وَالْبَاطِن، وَنحن لَا نعلم إِلَّا الظَّاهِر. وَلأَهل كل بلد قوم قد تراضى عَلَيْهِم عامتهم؛ فبهم تَنْعَقِد مناكحهم وبيوعهم؛ وَقد قدموهم فِي مَسَاجِدهمْ، ولجمعهم وأعيادهم؛ فَالْوَاجِب على من استقضى فِي مَوضِع، أَن يقبل شَهَادَة أماثلهم، وفقهائهم وَأَصْحَاب صلواتهم، وَإِلَّا ضَاعَت حُقُوق ضعيفهم وقويهم، وَبَطلَت أحكامهم. وَيجب عَلَيْهِ أَن يسْأَل إِن استراب فِي بَعضهم فِي الظَّاهِر وَالْبَاطِن عَنْهُم؛ فَمن لم يثبت عِنْده عَلَيْهِ اشتهار فِي كَبِيرَة، فَهُوَ على عَدَالَة ظَاهِرَة، حَتَّى يثبت غير ذَلِك. انْتهى. وَسَماهُ مُحَمَّد بن حُسَيْن الزبيدِيّ فِي مُصَنفه فِي طَبَقَات النَّحْوِيين واللغويين؛ فَقَالَ: أَبُو الحكم مُنْذر بن سعيد القَاضِي، سمع بالأندلس من عبيد الله بن يحيى ونظرائه، ثمَّ رَحل حَاجا سنة ٣٠٨؛ فَسمع بِمَكَّة من مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي كِتَابه الْمُؤلف فِي اخْتِلَاف الْعلمَاء الْمُسَمّى ب الْأَشْرَاف. وروى بِمصْر كتاب الْعين للخليل، عَن أبي الْعَبَّاس ابْن ولاد، وَعَن أبي جَعْفَر بن النّحاس. وَكَانَ متفنناً فِي ضروب الْعلم. وَغلب عَلَيْهِ التفقه بِمذهب أبي سُلَيْمَان دَاوُود بن عَليّ الإصبهاني الْمَعْرُوف بالظاهري؛ فَكَانَ يُؤثر مذْهبه، وَيجمع كتبه، ويحتج بمقالته، وَيَأْخُذ بهَا لنَفسِهِ، فَإِذا جلس مجْلِس الْحُكُومَة، قضى

<<  <   >  >>