للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فِي المَاء؛ وَكَانَ يحسن السباحة. فَلم يسع القَاضِي عِنْد ذَلِك إِلَّا إِنْفَاذ أَمر الْخَلِيفَة؛ فَقَامَ وأتزر وتجرد، وَألقى بِنَفسِهِ خلف جَعْفَر، ولاذ بالقعود فِي درج الصهريج متبرداً؛ فَلم ينشط فِي السباحة، وجعفر يجول فِيهِ مجاله، مصعداً فِي الصهريج ومصوباً، فَدَسَّهُ الحكم على القَاضِي، فَهُوَ يَدعُوهُ إِلَى المساجلة فِي العوم، ويعجزه فِي إخلاده إِلَى الْقعُود، ويباغيه بإلقاء المَاء عَلَيْهِ، والرش لَهُ، وَالْآخر لَا ينبعث، وَلَا بفارق مَكَانَهُ إِلَى أَن كَلمه الحكم وَقَالَ لَهُ: مَا لَك أَيهَا القَاضِي؟ لَا تساعد الْحَاجِب فِي فعله وتعوم مَعَه {فَمن أَجلك تبذل فِيمَا تبذل فِيهِ} فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي، الْحَاجِب سلمه الله مُطلق، لَا هوجل مَعَه {وَأَنا بالهوجل الَّذِي معي، يعقلني ويمنعني من الأعماق فِي الصهريج} يُرِيد بمقالته أنثييه وَأَن جعفراً مجبوب. فاستفرغ الحكم ضحكاً من نادرته، ولطف تعريضه فَخَجِلَ الْحَاجِب من قَوْله، وسبه سبّ الْأَشْرَاف. وخرجا من المَاء. فَأمر لَهما الْخَلِيفَة رَحمَه الله بكسوة تشاكل كلا مِنْهُمَا، ووصلهما بصلَة سنية. قَالَ الْحسن بن مُحَمَّد فِي كِتَابه: وَذكر أَن الْخَلِيفَة الحكم قَالَ لقاضيه مُنْذر يَوْمًا، فِي بعض مَا جاوبه: بَلغنِي أَنَّك لَا تجتهد للأيتام، وَأَنَّك تقدم عَلَيْهِم أوصياء سوء، يَأْكُلُون أَمْوَالهم {قَالَ نعم} وَإِن أمكنهم نيك أمهاتهم، لم يعفوا عَنْهُن {فَقَالَ لَهُ: وَكَيف تقدم مثل هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: لست أجد غَيرهم، ولاكن أحلني على الْفَقِيه اللؤْلُؤِي، وَأبي إِبْرَاهِيم، وأمثالهما لأقدمهم، فَإِن أَبَوا، أجبرتهم بالسجن وَالضَّرْب، ثمَّ لَا تسمع إِلَّا خيرا. وَإِلَّا، فدع الْأُمُور تمْضِي كَمَا هِيَ} فَالله بالمرصاد {وَكَانَ شَيخنَا القَاضِي أَبُو عبد الله بن عَيَّاش الخزرجي يستحسن من كَلَامه قَوْله فِي التَّزْكِيَة: اعْلَم أَن الْعَدَالَة من أَشد الْأَشْيَاء تَفَاوتا وتبايناً، وَمَتى حصلت ذَلِك عرفت حَالَة الشُّهُود، لِأَن بَين عَدَالَة أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم} وعدالة التَّابِعين رَضِي الله عَنْهُم {بون عَظِيم، وتباين شَدِيد، وَبَين عَدَالَة أهل زَمَاننَا، وعدالة أُولَئِكَ، مثل مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض} وعدالة أهل زَمَاننَا، على مَا هِيَ عَلَيْهِ،

<<  <   >  >>