عَنهُ ابْن حَارِث: كَانَ لَا يحكم فِي شهر رَمَضَان، ويفرغ فِيهِ نَفسه للْعَمَل وَالْعِبَادَة، لم يزل مواظباً على ذَلِك إِلَى أَن مَاتَ رَحمَه الله {قَالَ الْحسن بن مُحَمَّد: وَكَانَ أحفظ أهل زَمَانه للفقه على مَذْهَب مَالك وَأَصْحَابه، حَلِيمًا، مُحْتملا، صبوراً، نَفَّاعًا لمن علق بحبله، جميل المنظر، سهل الْخلق، حسن الصُّورَة، طيب الرَّائِحَة، نظيف الملبس والمركب وَالطَّعَام والفاكهة، سَمحا، صليباً فِي ذَات الله، رَفِيقًا، لم يحفظ عَنهُ أَنه قرع أحدا بِسَوْط مُدَّة قَضَائِهِ، لَا تَأْخُذهُ مَعَ ذَلِك فِي الله لومة لائم. وَلم يكن يُخَاطب الْخَلِيفَة هشاماً وَلَا الْمَنْصُور بن أبي عَامر قيم دولته بِغَيْر التسديد على الرَّسْم الْقَدِيم؛ قَرَأت مخاطبته لَهما فِي كتاب ارتقاب الْأَهِلّة المرسوم للقضاة فِي شهر رَمَضَان، ومخرجه على الْعَادة الْمَعْرُوفَة للأعلام فَمَا يَصح لَدَيْهِ من أمرهَا؛ فَكَانَت مخاطبته للأمير هِشَام: أصلح الله أَمِير الْمُؤمنِينَ سيدى، وأبقاه، وأيد بِطَاعَتِهِ} وَكَانَت مخاطبته لحاجبه الْمَنْصُور: يَا سَيِّدي، وَمن وَفقه الله لطاعته وَعَصَمَهُ بتقواه! واعتنى القَاضِي ابْن زرب بِطَلَب أَصْحَاب ابْن مَسَرَّة، والكشف عَنْهُم، واستتابه من علم أَنه يعْتَقد مَذْهَبهم؛ وَأظْهر للنَّاس كتابا حسنا وَضعه فِي الرَّد على ابْن مَسَرَّة، قرئَ عَلَيْهِ وَأخذ عَنهُ. وَكَانَ سنة ٣٥٠. اتتاب جملَة جِيءَ بهم إِلَيْهِ من أَتبَاع ابْن مَسَرَّة؛ ثمَّ خرج إِلَى جَانب الْمَسْجِد الْجَامِع الشَّرْقِي، وَقعد هُنَاكَ؛ فَأحرق بَين يَده مَا وجد عِنْدهم من كتبه وأوضاعه؛ وهم ينظرُونَ إِلَيْهِ فِي سَائِر الْحَاضِرين. ووقف يَوْمًا هَذَا القَاضِي بِبَاب أبي بكر الزبيدِيّ النَّحْوِيّ، معلم الْخَلِيفَة هِشَام؛ فَلَمَّا أُوذِنَ بِهِ، بَادر بِالْخرُوجِ إِلَيْهِ حافياً، مَكْشُوف الرَّأْس، كَمَا كَانَ يجلس فِي بَيته، فَوقف بَين يَدَيْهِ، قَائِما على قَدَمَيْهِ، إجلالاً لَهُ، وأبلغ فِي شكره على تعهد؛ فوافاه ابْن زرب حق تكرمته إِيَّاه، وَسَأَلَهُ الْجُلُوس؛ فَأبى عَلَيْهِ وأنشده متمثلاً: أقوم وَمَا بِي أَن أقوم مذلة ... عَليّ فَإِنِّي للكرام مذلل على أَنَّهَا مني لغيرك هجنة ... وَلَا كنها بيني وَبَيْنك تجمل قَالَ الْحسن بن مُحَمَّد فِي كِتَابه الْمُسَمّى ب الاحتفال فِي تَارِيخ أَعْلَام الرِّجَال: وأمتحن القَاضِي ابْن زرب، على فَضله، مَعَ عوام النَّاس بقرطبة، فِي بَاب ابتطائهم للسقي؛ فَدَعَا بهم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute