للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتفاقده النَّاس، وأثنوا عَلَيْهِ حسنا. وَأظْهر ابْن أبي عَامر لمَوْته غماً شَدِيدا، وَكتب لوَرثَته كتاب حفظ ورعاية أنتفعوا بِهِ؛ واستدعى ابْنه مُحَمَّدًا، وَهُوَ طِفْل، ابْن ثَلَاثَة أَعْوَام؛ فوصله بِثَلَاثَة آلَاف دِينَار، وألطاف، قيمتهَا مَا يناهز الْعدَد الْمُسَمّى، وَلَيْسَ ذَلِك من أَفعَال الْمَنْصُور ببدع؛ فقد كَانَ فِي حسن مُعَامَلَته للنَّاس، وَالْوَفَاء لَهُم، بِمَنْزِلَة لَا يقوم بوصفها كتاب، حَتَّى يُقَال إِنَّه لَا يَأْتِي الزَّمَان بِمثلِهِ فِي فَضله، وَلَا طفرت الْأَيْدِي بشكله. وَمن عَجِيب أَخْبَار مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي عَامر وَحَدِيثه رَحمَه الله {مَا وَقع فِي كتاب الْفَقِيه أبي جَعْفَر أَحْمد بن سعيد بن أبي الْفَيَّاض، عِنْد ذكره أَيَّام الْمَنْصُور ودولته. وَنَقله غَيره؛ وَنَصه: قَالَ: أَخْبرنِي بعض من رويت عَنهُ أَنه كَانَ بائتاً لَيْلَة، مَعَ بعض إخوانه، فِي غرفَة؛ فرقد رَفِيقه ودنيه؛ وَلم يرقد هُوَ قلقاً وسهراً؛ فَقَالَ لَهُ صَاحبه: يَا هَذَا} قد أضررتني فِي هَذِه اللَّيْلَة بِهَذَا السهر؛ فَدَعْنِي أرقد. فَقَالَ: إِنِّي مفكر مَشْغُول البال {فَقَالَ لَهُ صَاحبه: يَا هَذَا} وَأَنت أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ فَقَالَ لَهُ: هُوَ ذَلِك {فَعجب مِنْهُ وَقَالَ لَهُ: بِاللَّه} لتأْخذ معي هَذَا الْأَمر، وساعدني فِيهِ {فَقَالَ لَهُ: يصلح فلَان وَيصْلح فلَان} وسمى لَهُ جمَاعَة، وَهُوَ لَا يجوز من الْمَذْكُورين أحدا، إِلَى أَن قَالَ لَهُ: يصلح أَبُو بكر بن يبْقى بن زرب فَقَالَ لَهُ ابْن أبي عَامر: يَا هَذَا {فرجت عني} لَيْسَ بِاللَّه يصلح أحد غَيره {ثمَّ رقد. فمضت الْأَيَّام والليالي؛ وَولى ابْن عَامر الخطط، إِلَى أَن صَار لَهُ ملك الأندلس كُله بخلافة الْمُؤَيد بِاللَّه، وَاسْتولى على الْأَمر وَالنَّهْي بِهِ؛ وَذَلِكَ الرجل رَفِيقه وَصَاحبه يتَوَقَّع أَن يتَذَكَّر الْمَنْصُور لاحتقاره فِي تِلْكَ اللَّيْلَة؛ فَلَمَّا كَانَ فِي بعض اللَّيَالِي، مَاتَ القَاضِي ابْن السَّلِيم لَيْلًا. وَكَانَت لمُحَمد بن أبي عَامر فِي أَيَّامه عُيُون بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار، لَا يَقع أَمر من الْأُمُور حَتَّى يعلم بِهِ. فَأخْبر بِمَوْت ابْن السَّلِيم سَاعَة مَوته فِي اللَّيْل؛ فَبعث فِي ذَلِك الرجل رَفِيقه فِي تِلْكَ السَّاعَة. فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ رَسُوله، تداخله من الْفَزع غير قَلِيل؛ فخشي على نَفسه؛ فَنَهَضَ إِلَيْهِ، وأكفانه مَعَه؛ فَلَمَّا وصل قَالَ لَهُ: يَا هَذَا} قد مَاتَ القَاضِي ابْن السَّلِيم {قَالَ: فَزَاد فزع الرجل، ثمَّ قَالَ لَهُ: من ترى أَن يولي الْقَضَاء؟ قَالَ لَهُ: الَّذِي رَأَيْنَاهُ تِلْكَ اللَّيْلَة} مُحَمَّد بن يبْقى بن زرب! فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور: فانهض إِلَيْهِ، واقرأه سلامي، وبشره

<<  <   >  >>