للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخارجين عليها. وعلى حين كان التضامن القبلي قائمًا، كانت أحيانًا تبرز النزعات الفردية، فبرغم أن الحياة التجارية في مكة كانت تزيد من الترابط في القبيلة؛ فقد وجد من الأشخاص من يفضل مصلحته الذاتية على مصلحة القبيلة. وبرغم أن الأمن كان يتوقف على نظام العشيرة نجد أشخاصًا يعملون ضد مصلحة العشيرة، فأبو لهب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج على إجماع العشيرة وانضم إلى باقي بطون قريش حين أجمعت على مقاطعة بني هشام١، والعباس بن عبد المطلب برغم تضامنه مع عشيرته٢؛ فإنه ظل على علاقته الودية مع باقي البطون القرشية حرصًا على تجارته وأمواله٣ وإلى جانب مجلس الشيوخ -الملأ- كان للعشائر أنديتها التي تجتمع فيها حين تدعو الضرورة لمناقشة الأمور الخاصة بالعشيرة، وكان يمكنها أن تتخذ قرارًا يخالف رأي مجلس القبيلة، ومثال ذلك اجتماع بني هاشم والمطلب للتشاور والاتفاق على حماية محمد -صلى الله عليه وسلم- ومواجهة قريش٤.

وبالرغم من أن مجلس الشيوخ -الملأ- كان وسيلة الحكم في مكة، ينظم شئونها السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ فإنه لم يخضع لقانون مكتوب، وإنما كان ينظر في هذه الشئون حسب قوانين العرف والعادة، ولكنه لم يقض على حرية الأفراد، فكل فرد كان متمتعًا بحريته مع شعوره بحقوق الجماعة أو حقوق القبيلة، وهذا هو نفس النظام الذي كان سائدًا في القبيلة العربية في كافة أنحاء شبه الجزيرة. فللفرد حريته وللجماعة حقوقها التي لا تتناقص مع هذه الحرية. وعلى ذلك كانت القرارات الحاسمة -في الملأ- هي القرارات الجماعية، ويرجع الفضل الأول في قوة مكة إلى قوة زعمائها وقدرتهم على تكوين رأي عام، وحل المنافسات الداخلية التي تنشأ بين العشائر على أساس المصلحة العامة والمحافظة على وحدة القبيلة التي كانت تتطلبها ظروفها كقبيلة تجارية مستقرة في بلد يعتمد في حياته على التجارة وما تجلبه لأهله من وسائل الرزق، كما يعتمد على قدسية البيت الحرام الذي يقوم فيه ويجلب إليه الحجاج


١ ابن هشام ١/ ٢٨٢.
٢ الطبري ٢/ ١٩٥.
٣ ابن هشام ١/ ٣٣٧.
٤ نفسه ١/ ٢٨١.

<<  <   >  >>