للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من كافة أطراف الجزيرة العربية، وما يترتب على ذلك من حصول القبيلة على مركز أدبي ممتاز بين القبائل، ومن تجارة داخلية واسعة تدر على سكان البلد الحرام الرزق والثروة، وكان أي تفكك في داخل المدينة يعرض مركز مكة للانهيار، ولذلك كان لا بد أن يضع له أهله من الأنظمة والقوانين ما ينظم حياته، ويقر الأمن فيه ويحفظ الحقوق، ويضمن حماية مَن يفد إليه من الأذى، لدوام مجيء الحجاج إليه. ولقد نجح ملأ قريش في المحافظة على تماسك القبيلة، فاستطاعوا حل الخلافات الداخلية حلًّا سلميًّا، مثال ذلك الخلاف بين المطيبين والأحلاف الذي أوشك أن يثير حربًا داخلية بين عشائر قريش١، كما استطاعوا أن يرضوا شعور العشائر ويحدوا من تنافسها على السلطة بأن توسعوا في قاعدة الحكم، فأنشئوا الوظائف وأسندوا لكل عشيرة وظيفة خاصة تمارسها في نطاق القبيلة، ومع أن بعض هذه الوظائف لم يكن ذا قيمة إلا أنه أرضى شعور العشائر وأشعرها بمشاركتها وحفظ تماسك القبيلة.

ودار الندوة هي الدار التي بناها قصي بن كلاب، وكانت ملاصقة للمسجد الحرام من ناحية الجهة الشامية من الكعبة، وكانت فسيحة وسيعة، وفيها كانت قريش تقضي شئونها العامة وقد سميت الندوة؛ لأنهم كانوا إذا حزبهم أمر ندوا إليها للتشاور٢. والندوة الجماعة، ودار الندوة دار الجماعة٣. وأهم خصائص دار الندوة أنها كانت دار مشورة قريش، فيها يجتمع ملؤها للتشاور في أمورها، ولم يكن يدخلها للمشورة من غير بني قصي إلا ابن أربعين سنة، في حين كان يدخلها بنو قصي وحلفاؤهم، على أنه كانت تقضى في دار الندوة أمور أخرى غير المشاروة، ففيها كانت قريش تعقد لواءها إذا خرجت للحرب، ومن دار الندوة كانت ترحل قوافلها للتجارة؛ وفي فنائها تحط هذه القوافل حمولتها إذا رجعت، وإذا بلغ غلام لقريش عذر أي ختن فيها. وإذا بلغت جارية لقريش جاء بها أهلها إلى دار الندوة فشق عليها قيم الدار درعها -أي قميصها- ثم درعها إياه، ثم انقلبت إلى أهلها فحجبوها، والظاهر أن


١ ابن هشام ١/ ١٤٢- ١٤٤.
٢ الأغاني ٤/ ٣٨٤ "الحاشية". ياقوت ١٩- ٢٧٩.
٣ الآلوسي ١/ ٢٨٤. ياقوت ٨/ ٤٢٣، ١٩/ ٢٧٩.

<<  <   >  >>