للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الغرض من الأمرين الأخيرين مجرد تعريف بالبالغين من قريش الذكور والإناث١. ودار الندوة في مكة تشبه الإكليزيا Ekylesia في أثينا، إلا أن الملأ المكي كان أكثر تعقلًا وشعورًا بالمسئولية من الإكليزيا اليونانية، وأقل تأثيرًا بالانفعالات العاطفية، وذلك لأن الملأ كان يتكون من رؤساء العشائر وأولى الرأي والحكمة فيها، وعلى حين كان الأثينيون يقبلون في الإكليزيا كل رجل أمين مستقيم؛ كان أهل مكة حريصين على أن يكون للشخص مهارته العملية وقدرته على القيادة٢. وإنشاء دار الندوة وتخصيصها لهذه الوظيفة يعتبر بداية لمرحلة جديدة تبلورت فيها النظم القبلية القديمة.

أما أهم المناصب الأخرى في مكة بعد دار الندوة، فكانت السدانة، والسقاية، والرفادة، وكلها مناصب متصلة بالكعبة والحج إليها. والسدانة هي رعاية البيت والقيام على إعداده للزائرين، لقد كانت هذه الوظيفة هامة جدًّا نظرًا لمركز الكعبة عند العرب؛ ولأن البيت الحرام هو الذي أعطى مكة قدسيتها ومكانتها وجلب إليها الحجاج من كافة الأنحاء، وعلى الحجاج يقوم جزء كبير من حياة مكة الاقتصادية؛ فإن قريشًا تضرب في مشارق الأرض ومغاربها لتجلب التجارة التي تبيعها للحجاج في مكة وفي الأسواق التي تقوم حولها في موسم الحج وتجني من وراء ذلك ثروة كبيرة. من أجل ذلك اهتمت قريش برعاية البيت الحرام والدعاية له في كافة أنحاء شبه الجزيرة، وجلبت إليه أصنام القبائل فأقامتها حول الكعبة. ولما كانت الكعبة في نظر العرب هي في بيت الله الذي بناه إبراهيم الذي يردون أنسابهم إليه، وهي أول بيت وضع للناس؛ فإن وضع الأصنام به يعتبر تكريمًا للأصنام ومن ثم يعتبر تكريمًا للقبائل التي تتقرب إليها وتعبدها، وفي ذلك إغراء للعرب على الحج إلى الكعبة؛ حيث يطوفون بالبيت ويقربون لأصنامهم في نفس الوقت. ولم يستحدث قصي هذه الوظيفة وإنما هي وظيفة قديمة ترجع إلى بناء الكعبة نفسها، فإنه من الطبيعي أن يكون لكل معبد سادته.

ووظيفة السقاية لا تقل أهمية، وهي مرتبطة بالكعبة والحج إليها؛ وتأتي أهميتها من أن مكة بلد شحيحة المياه، وأن الحاج إليها يلقى عنتًا شديدًا إذا تيسر له المياه


١ ابن هشام ١/ ١٣٧. الطبري ٢/ ١٨. العبادي: العصر العربي ٨-٩.
٢ Watt, Mohmmed at Mecca. p.٩

<<  <   >  >>