للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرياسية في القبيلة العربية، ولا بد من وجود علة أخرى غير التي قال بها هؤلاء الأخباريون، وعندي أن قصيًا -الذي اتصف بالحكمة وبعد النظر- قد أراد أن يحتفظ بوحدة القبيلة القرشية ويبعد عنها أسباب التنافس والشقاق الذي أشفق من وقوعه، والقبيلة لا تزال حديثة عهد بحكم مكة، وأعداؤها من خزاعة وبني بكر لا يزالون يعيشون منفيين حول مكة، ومن المحتمل أن يعودوا لمناوأتها إذا دب خلاف بين صفوفها، ولقد قدرت بطون قريش هذه الحكمة من قصي وأدرك بنوه ما يرمي إليه -هذا إذا كان عبد الدار على ما وصفه به أصحاب الأخبار من الضعف، وهو أمر من المحتمل أن يكون هواهم قد مال بهم إليه؛ لتعظيمهم لبني عبد مناف الذين جاء النبي صلى الله عليه وسلم منهم؛ فلم ينازعوا عبد الدار طول حياته، ولكن الخلاف ما لبث أن ثار، ورأى بنو عبد مناف أنهم أحق بالأمر من بني عمهم عبد الدار، أو أنهم لا يقلون عنهم نباهة وشرفًا؛ لذلك نازعوهم الأمر، وانقسمت قريش تبعًا لذلك إلى معسكرين متعاديين، انقسمت بينهما بطون قريش؛ فانضم إلى معسكر بني عبد مناف: بنو أسد بن عد العزى، وبنو زهرة بن كلاب، وبنو تيم بن مرة، وبنو الحارث بن فهر.. وانضم إلى معسكر بني عبد الدار: بنو مخزوم بن يقظة، وبنو سهم بن عمرو بن هصيص، وبنو جمح بن عمرو، وبنو عدي بن كعب، وخرجت عامر بن لؤي، ومحارب بن فهر من قريش الظواهر فلم يكونوا مع واحد من الفريقين.

وعقد كل واحد من المعسكرين حلفًا توكيدًا لترابطهم وتضامنهم. فعقد بنو عبد مناف حلفًا سموه حلف المطيبين؛ لأنهم قدموا طيبًا في جفنة وضعوها في فناء الكعبة وغمسوا أيديهم فيها ومسحوها في جدار الكعبة توكيدًا لحلفهم. كما عقد بنو عبد الدار حلفًا سموه الأحلاف. وتعبت قبائل الحلفين لبعضها، وأوشكت الحرب الأهلية أن تقع في مكة. لكن الملأ من قريش أدركوا ما يتعرض له مركز القبيلة من خطر وما يعود عليها من أضرار لو نشب القتال وسالت الدماء؛ فإن وحدة القبيلة ستتمزق وحرمة مكة التي يحرصون عليها ويسعون لإقرارها في نفوس العرب ستضعف، ومن ثم تتعرض مكة للاعتداء عليها، وتهون قريش في نظر القبائل؛ لذلك سارعوا إلى القضاء على هذا الخطر بفض هذا النزاع، فأعطوا بني عبد مناف الرفادة والسقاية، وأبقوا المناصب الأخرى في يد بني عبد الدار. وبذلك رضي الطرفان وحسم النزاع، لكن الطرفين ثبت كل منهما على حلفه١، ولم تذهب آثار هذا النزاع من النفوس، كما أن هذا الأمر


١ ابن هشام١/ ١٤٣- ١٤٤.

<<  <   >  >>