فتح عيون البطون القرشية كلها على الرغبة في المشاركة في شئون الحكم في القبيلة القرشية داخل مكة، ولما كانت قرييش قد تميزت بوجود رجال أكفاء رأسوا عشائرها ووضعوا نصب أعينهم دائمًا المحافظة على وحدتها وحل مشاكلها؛ فقد اصطنعوا من الوظائف ما أرضوا به شعور البطون القرشية كلها، وبعد أن كانت وظائف مكة ستًّا توزعت بين بني عبد الدار وبني عبد مناف، بلغت في نهاية القرن السادس ست عشرة وظيفة توزعت على بطون قريش البطاح. ومن ثم احتفظت قريش بوحدتها، ونجت من التفكك الذي كان يصيب القبائل العربية، ويخلق منها في كثير من الأحيان بطونًا متعادية متحاربة، وقد دعم هذا الترابط مركز مكة، وضمن لها التفوق على المدن العربية الأخرى التي كانت تقع على طريق القوافل، وكان من شأنها أن تنافس مكة في التجارة.
وكما حرص رجال قريش على وحدة القبيلة وتضامنها، كذلك حرصوا على إقرار الأمن في مكة، سواء لأهلها أو للقادمين عليها، ووقفوا في وجه كل من تحدثه نفسه من أهلها أو من غيرهم بالاعتداء على حرية الناس وأمنهم. أو ظلم القادمين إليها للمتجارة والمبادلة؛ وذلك أن مكة كانت تعتمد في حياتها على ما تجلبه إليها التجارة من الرزق سواء منها الخارجية أو الداخلية. وإذا كانت تجارة قريش الخارجية قد اتسعت بحيث ضمنت العشائر الغنية التي تشارك فيها ثروة كبيرة، فإن رجال قريش قد حرصوا على سلامة التجارة الداخلية؛ حتى تضمن العشائر التي لم تشارك بصورة قوية في التجارة الخارجية ما يضمن لها أسباب الرزق في التجارة الداخلية؛ لذلك وقفوا في وجه كل ما من شأنه أن يعطل هذه التجارة أو يحد من نشاطها، ومن أجل هذا قام حلف الفضول. وكان سببه المباشر أن العاص بن وائل السهمي اشترى بضاعة من رجل يمني قدم مكة، وأبى أن يدفع الثمن، ولجأ اليمني إلى بطون الأحلاف فلم تنصفه، فأدى هذا إلى رد فعل قوي بين البطون القرشية الأخرى التي كانت تعتمد على التجارة الداخلية، ورأت فيه محاولة من العشائر الغنية التي تهيمن على التجارة الخارجية نتيجة لثروتها الواسعة للهيمنة على التجارة الداخلية أيضًا بمضايقتها للتجار.