للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخارجيين من غير قريش١. لذلك تنادى بنو هاشم وأسد وزهرة وتيم لعقد حلف للوقوف في وجه هذا الاتجاه، ومنع كل ظلم يقع في مكة سواء على أهلها أو على الغرباء، فاجتمعوا في دار الندوة وتشاوروا في الأمر، ثم انتقلوا إلى دار عبد الله بن جدعان أحد أثرياء مكة من بني تيم الذي صنع لهم طعامًا، حيث عقدوا حلفًا سموه حلف الفضول، تعاهدوا فيه على أن يكونوا يدًا واحدة مع المظلوم على الظالم؛ حتى يؤدي إليه حقه وعلى التأسي في المعاش٢. وإن هذه الفقرة الأخيرة لتبين بوضوح أغراض الحلف وهو الوقوف في وجه الظلم الذي قد يجر إلى أن تحرم هذه البطون من أسباب معاشها. وقد حقق هذا الحلف نتيجته المباشرة؛ فقد دفع العاص بن وائل ثمن البضاعة التي أخذها، كما استقرت الحرية العامة في مكة، وقد بقيت آثار هذا الحلف إلى ما بعد الإسلام، وإن كان قد تعطل فترة من الزمن عند بدء ظهور الإسلام في أنثاء الدور المكي من حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم، كما سنشير إليه فيما بعد- ويذهب بعض المؤرخين إلى أن حلف الفضول إن هو إلا امتداد لحلف المطيبين، على اعتبار أن الذين انضموا للحلف هم نفس البطون التي كانت في حلف المطيبين، باستثناء بعض عشائر عبد مناف وهم بنو نوفل وبنو عبد شمس الذين أصبحوا في ذلك الوقت من العشائر الغنية التي اتخذت جانب الفريق الآخر تحقيقًا لمصالحها٣. ولكن لا يمكن التسليم بهذا الرأي، فإن حلف المطيبين عقد لظروف أخرى وهي التنازع على المناصب في مكة، وكان بنو عبد مناف يملكون ناصية الثروة وناصية التجارة الخارجية؛ فإن على يد هاشم بن عبد مناف وإخوته خرجت قريش إلى نطاق التجارة الخارجية، وإلى تنظيم القوافل لنقل التجارة بين الجنوب والشمال والشرق والغرب. وهم الذين أجروا


١ لدينا أمثلة أخرى على مضايقة أغنياء قريش للتجار الغرباء، منها ما ذكره ابن إسحاق من أن أبا جهل بن هشام اشترى إبلًا من رجل جاء إلى مكة يبيع إبلًا ومطله بأثمانها، حتى اضطر الرجل إلى أن طلب الإنصاف من رجال قريش "ابن هشام ١/ ٤١٦". وما رواه ابن كثير من محاولة نبيه بن الحجاج ظلم رجل خثعمي جاء مكة مما اضطر الرجل إلى طلب الإنصاف. "ابن كثير ٢/ ٢٩٢".
٢ ابن هشام ١/ ١٤٤- ١٤٥. ابن كثير ٢/ ٢٩٢. ابن الأثير ٢/ ٢٦- ٢٧. اليعقوبي ٢/ ١٢- ١٣.
٣.Watt, op. oit. p.٦. ١٣- ١٤

<<  <   >  >>