للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاتصالات الخارجية بالبيزنطيين والأحباش والفرس واليمن١. أما حلف الفضول فتختلف ظروفه ودواعيه كما تختلف ظروف القائمين عليه، وإن كانوا هم بعض نفس البطون التي اشتركت في الحلف الأول, وإذا كان الحلف الأول لتقسيم المناصب؛ فإن الحلف الثاني قام لإقرار العدل والأمن وتدعيم مصالح التجارة الداخلية في مكة ذاتها، وقد قدر الإسلام الأهداف السامية التي عقد من أجلها هذا الحلف وأقره, وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه: "لقد شهدت في دار ابن جدعان حلفًا ما أحب أن لي به حمر النعم؛ ولو أُدعى به في الإسلام لأجبت" ٢. وقد بقيت آثاره بعد الإسلام، حتى لقد نادى به الحسين بن علي حين وقعت بينه وبين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان والى المدينة منازعة في مال كان بينهما، وقد تداعت أطراف الحلف لنصرة الحسين مما اضطر الوليد إلى إنصافه٣.

وأوشك خلاف آخر أن يدب بين صفوف القبيلة قبيل ظهور الإسلام حين هدمت قريش الكعبة، وتنافست البطون على من ينال شرف وضع الحجر الأسود في مكانه من البناء، وقد تحزبت لذلك بنو عبد الدار وبنو عدي وعقدوا بينهم حلفًا على ألا يدعوا أحدًا يقوم بهذا غيرهم وقدموا جفنة فيها دم غمسوا أيديهم فيه توكيدًا لحلفهم فسموا لعقة الدم, لكن الخلاف ما لبث أن حسم بالتحكيم على يد محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الذي لم يكن بعث نبيًّا بعد ٤.

وقد ذكر المؤرخون تنازعًا وقع بين عشيرة هاشم وعشيرة أمية بن عبد شمس وهما بيتان من بيوت بطن عبد مناف, وأفاضوا في ذكر هذا التنافس بين البيتين ورتبوا عليه نتائج كبيرة، اعتبروه أساسًا للنزاع بين بني هاشم وبني أمية بعد ظهور الإسلام، وقد احتل ذكر هذا التنازع جانبًا كبيرًا من اهتمام الكتاب والمؤرخين سواء منهم القدماء أو المحدثون وأفرد له بعضهم كتبا خاصة به. وأول ذكر لهذا التنازع ما ذكره ابن سعد في كتاب الطبقات الكبرى عند حديثه عن هاشم بن عبد مناف وابنه عبد المطلب بن هاشم, وعن ابن سعد أخذ من تلاه من المؤرخين القدماء ثم تبعهم المحدثون.


١ ابن هشام ١/ ١٤٧. اليعقوبي ١/ ٢٠١.
٢ ابن هشام ١/ ١٤٥. ابن كثير ٢/ ٢٩٣.
٣ ابن هشام ١/ ١٤٦. ابن كثير ٢/ ٢٩٣. ابن الأثير ٢/ ٣٧.
٤ ابن كثير ٢/ ٣٠٣.

<<  <   >  >>