القوافل الكبرى التي كان يقودها إلى الشام لتصدي المسلمين لها بعد هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى يثرب بسنتين؛ فاستطاع أبو سفيان بمهارته وحذره أن يتجنب الخطر وأن يعود بالقافلة سليمة إلى مكة، لكن هذا التصدي أدى إلى وقوع معركة بدر التي قتل فيها معظم زعماء قريش البارزين، ولم يبق إلا الزعماء الثانويون، وكان أبرزهم جميعًا أبا سفيان، الذي أبدى كثيرًا من ضروب المهارة في نجاة القافلة، وفي جمع شمل القبيلة بعد هذه المعركة، وتعبئة كل قوتها للأخذ بثأرها من المسلمين، ومن ثم كتبت له الزعامة العامة في قريش وأخذ على عاتقه تنظيم القبيلة، وقيادة جيوش مكة في حروبها ضد يثرب ست سنوات بعد ذلك انتهت بفتح مكة وتغيير الأوضاع كلها.
على أن هؤلاء الرجال الأفذاذ، سواء منهم من نالوا زعامة عامة في القبيلة كلها أو من كانوا زعماء في عشائرهم، قد حرصوا دائمًا على مصلحة القبيلة وحفظوا على مكة وحدتها، وجنبوها ما كان يقع في القبائل والمدن الأخرى من حروب عشائرية؛ ووقفوا ضد كل طيش ونزق، وحرصوا -حتى في أحرج الظروف- على صيانة الدماء؛ فلم تقع أية ثارات بين بيوتاتها المختلفة، وحتى وقت ظهور الإسلام حرصوا طيلة ثلاث عشرة سنة قضاها النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة على ألا تسفك دماء القرشيين وألا تقع حرب بين بطون قريش بسبب دخول من دخلوا في الإسلام بالرغم من الموقف الشديد الذي وقفته القبيلة تجاه الدعوة الإسلامية ومن دخل فيها، ومحاولة فتنة المسلمين من قريش عن دينهم بكافة أنواع المقاومة دون القتل، وحتى حين أجمع الملأ من قريش على التخلص من محمد -صلى الله عليه وسلم- بالقتل، حرصوا على أن يكون تنفيذ القرار جماعيًّا حتى لا تحدث حرب أهلية في مكة. وقد عدوا النبي -صلى الله عليه وسلم- مفرقًا لجماعة قريش مهددًا لمركز الكعبة الذي يتوقف عليه مركز مكة إلى حد كبير, وقد حاولوا إثناءه عن موقفه بكافة أنواع الترغيب والوعيد. كما حاولوا أن يرجعوه عن دعوته باللجوء إلى عشيرته؛ فقد أصر بنو هاشم على الوقوف إلى جانب محمد -صلى الله عليه وسلم- وحمايته، فأوقعوا عليه وعليهم عقوبات اقتصادية شديدة، ولكنها على كل حال دون القتل والقتال. ولم يتورطوا في أحلاف تجر إلى الحرب، كما لم يتورطوا في خوض الحرب إلا مرتين، مرة إلى جانب حلفائهم من بني بكر ضد هوازن وقيس فيما عرف بحرب الفجار. وقد جروا إلى هذه الحرب جرًّا دون أن تكون لهم يد في إشعالها. ومع ذلك فقد كانوا هم الداعون للصلح.