للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبرهة دفاعًا عن مكة، كما تصدى له نفيل بن حبيب الخثعمي بقبيلتي خثعم: شهران وناهس١.

على أن الاحتفاظ بود القبائل البدوية والحلف معها أمر يحتاج إلى حنكة ومهارة، ودراية بنوازع نفوس البدو الحساسة، وأنفتها الشديدة التي قد تثيرها أمور بسيطة يعدها الحضري تافهة. ولكنها في نظر البدوي عظيمة قد تثير الحروب وتسفك من أجلها الدماء، فكلمة شديدة أو تصرف يبدو فيه بعض الإهانة قد يثير عواطف البدو فتسل السيوف وتسيل الدماء، وعند ذلك تقع الغارات، وتثور الأحقاد، وتتفانى القبائل. فلم يكن المال وحده كافيًا للحفاظ على حسن الصلات بهذه القبائل البدوية؛ وإنما هي السياسة الحكيمة الصبور التي اشتهرت بها قريش وضمنت بها ولاء القبائل لها، بل ضمنت بها تفوقها عليها واعترافها بسيادتها.

وكما حالفت قريش قبائل البادية؛ فإنها كانت على علاقات طيبة مع المدن الأخرى الموجودة في الحجاز، فكانت صلاتها وثيقة بقبيلة ثقيف في الطائف. وقد كانت الطائف مصيف أهل مكة، ولا يوجد غني في مكة إلا وله في الطائف بستان، وكان تجار مكة يجلبون من الطائف الخمور والزبيب والأدم -الجلود المدبوغة- وكان أهل مكة يستهلكون كثيرًا من أعناب الطائف ورمانها، كما أن الثفيين كانوا يشاركون في قوافل مكة التجارية، كما كانت سوق عكاظ -وهي أكبر أسواق العرب- تقوم على مقربة من الطائف بينها وبين مكة. وتشير الآية القرآنية: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيم} [الزخرف] . إلى خطورة شأن رجال الطائف، وأنهم يماثلون أهل مكة قوة وجاهًا، وفي هذا إشارة لما كان بين مكة والطائف من ترابط، بحيث لو كان -كما زعموا- قد نزل القرآن على عظيم من أيهما لاتبعوه جميعًا. ولقد كان كثير من رجال الطائف حلفاء للقرشيين، وقد بلغ بعضهم مبلغ السيادة في البطون القرشية، كالأخنس بن شريق حليف بني زهرة الذي كان مسموع الكلمة فيهم مطاعًا٢، كما كانت قريش تشرك رجال الطائف فيما يهمها من الأمور الكبيرة، وقد


١ ابن هشام ١/ ٤٧- ٤٨. الأغاني ٢/ ٢٤٢- ٢٤٣، ٣١٦.
٢ ابن هشام ٢/ ٢٥٨.

<<  <   >  >>