للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخوه عبد شمس بالنجاشي، وأبرم معه اتفاقًا مماثلًا، ومنذ ذلك الوقت أصبحت الحبشة لقريش وجهًا ومتجرًا١.

وكانت الحبشة مصدرًا هامًّا من مصادر التجارة الشرقية، فقد كانت تنتج البخور واللادن والأطياب وريش النعام والعاج والجلود والتوابل. كم كانت منطقتها المصدر الأول لتجارة الرقيق الأسود، وكانت قريش إذ تحصل منها على هذه السلع الهامة تحمل إليها ما تحتاج إليه من حاصلات الشام ومصنوعاته، ومن حاصلات الجزيرة العربية نفسها.

ولما استولت الحبشة على اليمن، لم تستطع أن تقوم بدور كبير في التجارة التي أصبحت نقلها يتم على أيدي التجار المكيين، الذين أصبحوا الوسطاء المسيطرين على قوافل التجارة الخارجية، كما كفل قيام البيت الحرام وإقرار هدنة الأشهر الحرم، وقيام الأسواق في منطقة مكة -السيطرة على تجارة شبه الجزيرة العربية الداخلية. وقد فكر حاكم اليمن الحبشي أبرهة أن ينافس مكة في هذه المكانة؛ لعله ينتزع منها التجارة الداخلية، فأقام كنيسة في صنعاء، حرص على أن تكون غاية في الفخامة والروعة؛ ليجلب إليها العرب للحج والمتاجرة٢، ولكن عمله هذا لم يأت بنتيجة؛ وذلك لأن الكتلة العظمى للقبائل العربية كانت وثنية، وقد كانت مكة مأوى أصنام العرب، ثم إن البيت الحرام كان محل تعظيم العرب جميعًا؛ لأنه البيت الذين بناه إبراهيم وإسماعيل اللذان يرد العرب أنسابهم إليهما، فكان اتجاههم إلى مكة يرضي عاطفتهم الدينية والقومية على السواء. وقد دعا الفشل واحتقار العرب للكنسية التي أقامها أبرهه إلى قيامه بحملة ضد مكة لتدمير بيتها الحرام فتسقط بذلك مكانتها الدينية، ومن ثم تذهب مكانتها بين العرب من ناحية، وليسيطر على هذه المحطة التجارية من ناحية أخرى؛ ليتم اتصال الحبشة عبر الطريق البري بحليفتها بيزنطة التي كانت تسيطر على بلاد الشام، والتي ربما كانت من وراء هذا الغزو الحبشي؛ ليصبح هذا الطريق الهام في يدها ويد حلفائها، وإن كانت لم تظهر على مسرح الحوادث في هذا الموضوع٣. وقد فشلت


١ الأغاني ٨/ ٥٢.
٢ حتى ٧٦.
٣ لا يستبعد أوليري oLEARY أن بعض التجار الروم في مكة كانوا يقومون بأعمال التجسس لحساب بلادهم.

<<  <   >  >>