للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جيوشهم إليه فقد اتخذوا الحبشة حليفة لهم لتقوم بهذا الدور، واصطنعوا الدين وسيلة لذلك. وحين استطاعت الحبشة الاستيلاء على اليمن، عمل الحليفان على الاتصال عبر هذا الطريق، وبذلا محاولات للسيطرة عليه وإزالة ذلك الوسيط التجاري وهو مكة، ولا شك أن حملة أبرهة كانت إحدى المحاولات العسكرية١. كما بذل الروم محاولة سياسية أخرى لتمليك سيد من العرب على مكة يدين بالولاء لدولة الروم، فارتضى قيصر لملك مكة رجلًا من ساداتها هو عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى القرشي، وكان عثمان ممن تمردوا على الوثنية من حكماء مكة وبحثوا عن ديانة أخرى أفضل منها، وقد قدم عثمان على قيصر فتنصر وحسنت منزلته عنده٢ وملك قيصر عثمان على مكة ومنحه براءة بذلك وكتب له كتبًا يبلغها قومه، فعاد بها, وجمع قومه إليه يرغبهم في حسن الجزاء من قيصر، وينذرهم بسوء العاقبة في الشام إذا هم عصوه وأهون ما هناك أن يغلق قيصر أبواب الشام في وجوههم وهم قد نظموا قوافلهم على الذهاب إليها والمتاجرة فيها في صيف كل عام. قال: يا قوم إن قيصر قد علمتم مكانكم ببلاده وما تصيبون من التجارة في كنفه، وقد ملكني عليكم، وأنا ابن عمكم وأحدكم؛ وإنما آخذ منكم الجراب من القرظ والعكة من السمن والإهاب, فأجمع ذلك ثم أذهب إليه، وأنا أخاف إن أبيتم ذلك أن يمنع منكم الشام فلا تتجروا به وينقطع مرفقكم منه٣ وقد يبدو الأمر غريبًا أن يملك قيصر رجلًا على مكة وليس للبيزنطيين نفوذ على هذه الجهات، فإن نفوذهم الفعلي لم يتجاوز في وقت من الأوقات أعالي الحجاز, ولكن ذلك لا يمنع من حصول عثمان أو غير عثمان على براءات وأوراق اعتراف من الروم بملك سيد على قبيلة أو أرض ليس للروم عليها سلطان، فقد كان حصول المشايخ والأمراء على أمثال هذه الأوراق وبراءات الاعتراف نوعًا من أنواع الإكرام والتقدير الأدبي يكسب حاملها قوة معنوية، ثم هي تجعله في جملة أصدقاء الروم وحلفائهم والحائزين لتقديرهم ومنحهم، وقد كان الروم يشجعون


١ جواد على ٤/ ١٦٥.
٢ الروض الأنف ١/ ١٤٩. ابن هشام ١/ ٢٤٣. الأغاني ٢/ ١١٢. ابن كثير ٢/ ٢٤٣. المشرق "السنة الخامسة والثلاثون" ١٩٣٧ ص ٢٧٠.
جواد على ٦/ ٢٠٤. Lammens , La Mecque p. ٢٧٠ - ٢٧٩. ٣٦٦. ٣٧٥
٣ المحبر ص ١٧١ Watt p. ١٥

<<  <   >  >>