كانت بدايتها مركز النواة من النهضة العربية التي أخذت تباشيرها تظهر في أواخر العصر الجاهلي، ثم توَّجها ظهور الإسلام. ومدينة يثرب التي هاجر إليها، وأقام فيها دولة وحَّدت العرب وقادت نهضتهم الكبرى. والتي كانت بذاتها مستعدة لتلقي هذا الحدث الخطير، ثم النهوض بذلك العبء الجليل.
والنتف القليلة التي وردت في هذه الكتب القديمة عما كانت عليه الحالة قبل الإسلام، إنما كانت استطرادية من ناحية، وقد غلبت عليها مسحة التعميم والإطلاق من ناحية أخرى. كما أنه لا يخلو كثير منها من طابع الصنعة والوضع والتلفيق. وحتى أقدم هذه الكتب وأكثرها جدية وأمانة. وأشدها رغبة في التحفظ والتحوط، من أمثال سيرة ابن هشام، وهي أقدم ما حفظ لنا الزمن مما كتب في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتاريخ الطبري وهو مثل ابن شهام قدمًا وجدية وأمانة، وطبقات ابن سعد وهي كذلك من كتب السيرة القديمة المعتبرة، نجد في كثير مما روته من الروايات وسردته من الأخبار -ولاسيما فيما يتعلق بالفترة التي سبقت الإسلام- ذلك الطابع ظاهرًا من الصنعة والوضع والتلفيق، قد دونوها كما وصلت إليهم، أو نقلوها عمن سبقهم، منها ما أشاروا هم إليه، ومنها ما لم يشيروا إليه، ولكنه لا يخفي على نظر الباحث المدقق.
هذا بالإضافة إلى أن كثيرًا مما ورد من روايات وأخبار عن حالة العرب في الجاهلية، يقف منها الباحث موقف التحفظ الشديد؛ إذ يلمس فيها القصد ظاهرًا في التقليل من شأن العصر الذي سبق البعثة النبوية؛ من حيث الحضارة المادية والأدبية والمدارك العقلية. والحقيقة أن المسلمين الأولين أخذوا بالنهضة الإسلامية وفتنوا بما جاء به الإسلام من مُثل، وما حققه للعرب من وحدة وحضارة، فضربوا صفحًا عن كل ما سبقه، وكأنهم حين تخلصوا من الوثنية وعفوا عن آثارها ألحقوا بها كل ما كان من نظم الحياة وشئونها قبل الإسلام، وكأنما الأمة العربية -عندهم- ولدت بظهور الإسلام ميلادًا جديدًا.
وإلى جانب كتب السيرة توجد بعض الكتب والرسائل، وبعض الفصول والبحوث في الكتب العربية الأدبية والتاريخية والفنية عن حياة العرب قبل الإسلام وعاداتهم وتقاليدهم. غير أن هذه كلها قد كتبت بأسلوب عام مطلق، لم يتناول البيئة العربية التي نشأ فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- وقامت فيها رسالته بصورة خاصة من ناحية، وأن ما