ورد فيها من روايات جاءت متفرقة غير مرتبة، وقد اختلط فيها الغث بالسمين، والباطل بالصحيح؛ بحيث لا يسع الباحث إلا أن يقرأها بتحفظ شديد، وإلا أن يتردد كثيرًا في أخذها كحقائق تاريخية؛ أو حتى كروايات موثوق بها، من ناحية أخرى؛ وذلك لأن هذه الروايات ظلت محفوظة في الصدور تتداولها الألسن، ولم تدون إلا في وقت متأخر، كانت الأهواء قد لعبت فيها دورًا كبيرًا؛ بما أصاب الوحدة الإسلامية من تفكك، بظهور الفرق والأحزاب السياسية. وقد استند أصحاب هذه الكتب والرسائل والبحوث إلى هذه الروايات وأخذوها كحقائق تاريخية بنوا عليها أبحاثهم وتقريراتهم دون تمحيص على الأغلب.
وما وصل إلينا من الشعر المنسوب إلى الجاهليين -بغض النظر عن صحة نسبته إليهم أو عدم صحتها- لا يمكن أن نجد فيه مرآة صادقة للحياة العربية قبل الإسلام؛ وذلك لأن هذا الشعر إنما عَني بحياة البادية ولم يمس حياة الحضر إلا مسًّا رفيقًا هينًا، فوق أنه نحا نحوَ تمثيل الجانب المثالي في الخلق العربي من شجاعة وكرم ومروءة، وذلك لما طبعت عليه حياة الفخر والمباهاة من تمدح وتزيد، كما سلك جانب التطرف حين عدد المثالب والمذام. هذا إلى خلوه تقريبًا من تصوير الحياة العامة واقتصاره على الجانب الوجداني من حياة الأفراد.
والمؤرخون المحدثون الذين تناولوا كِتابة السيرة النبوية أو تاريخ الصدر الأول للإسلام، وتطرقوا إلى وصف مظاهر الحياة العربية في الجاهلية؛ لم يصوروا ذلك العصر وتلك البيئة تصويرًا يمكن أن يقال إن فيه غناء؛ على الرغم مما امتازت به بعض كتبهم من سلامة المنهج وقوة البحث؛ وذلك لأن بعضهم تناول موضوعًا واسعًا، وبعضهم قصد إلى معالجة جانب خاص أو تناول تاريخ الرسالة النبوية وحدها دون العناية بالحياة العربية قبلها، مع أن دراسة تاريخ الرسالة النبوية لا يمكن أن يكون واضحًا ومفهومًا إلا بدراسة العصر نفسه. ولم يتناول أحد -بصورة علمية منهجية- دراسة تاريخ المدينتين الحجازيتين -مكة والمدينة- في بحث متخصص، على اعتبار أنهما حاضرتا الحجاز، وقاعدة البيئة العربية التي قامت فيها النهضة في الجاهلية والإسلام.
وقد كتب كثير من المستشرقين عن ذلك العصر في سياق ما كتبوا عن حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وظهور الإسلام. غير أن للمستشرقين طرائق في البحث والاستنباط قد تجعل