وكان العرب يتطلعون إلى مثل جديدة في الأخلاق والاجتماع تساير الطبع العربي بما يحمل في طياته من نواة العدالة الاجتماعية، بما فيه من مروءة وكرم، وإحساس المساواة للفرد وللجماعة، وكانت المثل الجاهلية بما صارت إليه من عصبية ضيقة ومن حمية غير قادرة على إخراج هذه المثل الجديدة التي يتطلعون إليها. وكانوا يتطلبون من القبيلة صاحبة السيادة في ذلك الوقت أن تقودهم إلى هذه المثل الجديدة؛ لكن قريشًا -مع اكتمال الوضع لها- حولت اهتمامها إلى مصالحها الذاتية سواء في ناحية التشريع للحج، وهو المظهر الديني للعرب في ذلك الوقت أو في التشريع الاجتماعي والاقتصادي الذي كانت تقوم عليه. ومن ثم كانت هي في ذاتها في حاجة إلى إصلاح داخلي حتى يمكن أن تقود حركة الإصلاح التي يتطلبها المجتمع العربي في ذلك الوقت.
أما من الناحية السياسية؛ فإن العرب برغم انقسامهم إلى مضريين وربعيين ويمانيين, كانوا يحسون أنهم شعب واحد وأنهم يرتفعون جميعًا إلى أب واحد، وهم لم يعودوا يتمسكون باستقلالهم القبلي تمسكًا مطلقًا, فالربعيون يتعصب بعضهم لبعض, وكذلك المضريون واليمنيون، وقد يتحالف فريق منهم مع فريق آخر، وهذا التحالف الذي اشتدت حركته في النصف الثاني من القرن السادس بين القبائل نوع من التعبير عن إحساس القبيلة بأنها لا تستطيع أن تعيش في مجالها الضيق، وأنها محتاجة إلى غيرها من القبائل تتحالف معها وتؤاخيها وتربط مصيرها بمصيرها. وكذلك سئم العرب الحروب القبلية فسنوا الأشهر الحرم ومنعوا فيها القتال، وجعلوا الكعبة ملجأ للخائف والعائذ. كل هذا يدل على أن العرب كانوا يحسون بأن انقسامهم السياسي والاجتماعي لا يتناسب مع حالهم الجديد ولا مع طريقة تفكيرهم وكذلك كانوا يحسون بأن عدم وجود دولة تجمعهم أمر فيه ذلة وعار على الشعب العربي, فكانوا لذلك يجدون أنفسهم ضئالًا إلى جانب دولتي الفرس والروم الذين أطلقوا عليهما اسم الأسدين.
في هذه الظروف المواتية من الناحية الدينية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ظهرت النهضة العربية، وكانت دينية، والدين كان عاملًا هامًّا من عوامل التطوير والتقدم في العصور القديمة، ولم يتنازل الدين بعض الشيء عن هذه الناحية إلا بانتشار العلوم ووجود العوامل التي تنافس في القيام بهذا الدور في العصر الحديث.