للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أدركت قريش أن ما تقوم به من الأذى للمسلمين لن يحول دون إقبال الناس على الدين الجديد، كما رأت بني هاشم يقومون دون النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا تستطيع أن تبلغ به ما تريد؛ لذلك قررت أن توقع على هذا البطن القرشي عقوبة قاسية؛ لعلها تجبره على التخلي عن موقفه في حماية النبي -صلى الله عليه وسلم- وتضطره إلى تسليمه أو الكف عن نصرته، ورأت أن يكون عملها جماعيًّا ترتبط به كل البطون المكية وحلفاؤها، فبعد مشاورة عامة ائتمروا أن يكتبوا كتابًا يتعاقدون فيه على بني هاشم وبني المطلب: على أن لا ينكحوا إليهم، ولا ينكحوهم ولا يبيعوهم شيئًا ولًا يبتاعوا منهم؛ فلما اجتمعوا لذلك كتبوه في صحيفة ثم تعاهدوا وتواثقوا على ذلك، ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدًا على أنفسهم١.

وحصروا بني هاشم والمسلمين في شعب خارج مكة يسمى شعب أبي طالب، وقامت قريش على هذا الحصار الاقتصادي ثلاث سنين حتى أجهد المحاصرون أيما إجهاد، وكان يسمع صياح أطفالهم من شدة الجوع. ولكن أحدًا لم يضعف، وظل النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو إلى دينه بين العرب. كما حفل القرآن بالآيات التي تشدد النكير على قريش٢. وتجدر الإشارة هنا إلى أن حلف الفضول الذي عقدته بعض بطون قريش وتعاهدت فيه على منع الظلم في مكة؛ قد تعطل، فلم يتنادى أصحابه بنصرة المظلومين ممن كان يقع عليهم العذاب، ويبدو أن الملأ من قريش كان يخشى أن يطالب بنو هاشم حلفاءهم من أصحاب الفضول بالوقوف إلى جانبهم، ومن أجل ذلك كان حرصهم على الإجماع وعلى التواثق على ذلك في صحيفة مكتوبة، وقد استجابت كل البطون القرشية -ماعدا بني هاشم وبني المطلب الذين وقفوا إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم بدافع عصبية العشيرة- لأنهم اعتبروا الدعوة الإسلامية ذات خطر على مكة يهدد الجميع بالخراب، لذلك اجتمعوا وتضامنوا على إيقاف هذا التيار.

وكان هذا العمل العدواني فرصة لأن يتسامع العرب في كافة أنحاء الجزيرة العربية بأنباء هذا الدين الجديد، حتى أحست قريش بفشل هذا الحصار، وبأن يوشك أن يؤدي إلى أزمة داخلية في مكة؛ فقد تحركت عاطفة الرحم في بعض القرشيين، فأخذوا يمدون المحصورين ببعض الطعام، ولما حاول زعماء قريش إيقاف هذا المدد حدثت


١ ابن هشام ١/ ٢٧٢.
٢ انظر كلًا من سورة الأنبياء ٩٨-١٠٠، الهمزة ١- ٩، القلم١٠-١٥، الفرقان، ٢٧، ٢٩، الدخان ٤٣-٤٨.

<<  <   >  >>