للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بك، فسنقوم عليه فندعوهم إلى أمرك ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك١.

وكانت الاستجابة في يثرب سريعة، حتى لم تبق دار من دورها إلا وفيها ذكر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-٢، ولم يكد العام ينصرم حتى وافى الموسم اثنا عشر رجلًا لم يكونوا كلهم من الخزرج بل كان منهم ثلاثة من الأوس، فقد كان التنافس قائمًا بين القبيلتين، وما كانت الأوس لتترك الخزرج تنفرد بالأمر دونها، وكل ذلك بطبيعة الحال في صالح النبي -صلى الله عليه وسلم. ولقي النبي -صلى الله عليه وسلم- هؤلاء النفر عند العقبة -وهي مكان بين منى ومكة، بينها وبين مكة نحو ميلين٣- فعقد لهم بيعة عرفت بيعة العقبة الأولى، بايعوه على ألا يشركوا بالله شيئًا، ولا يسرقوا ولا يزنوا، ولا يقتلوا أولادهم، ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم. ولا يعصوه في معروف؛ فإن وفوا فلهم الجنة وإن غشوا من ذلك شيئًا فأمرهم إلى الله إن شاء غفر وإن شاء عذب٤. لم يشترط عليهم عداء أحد ولا منابذته بحرب؛ وإنما كانت كلها شروطًا دينية خلقية، وقد سميت هذه البيعة فيما بعد بيعة النساء؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بايع على نفس هذه الشروط نساء قريش حين أسلمن بعد فتح مكة، وقد وردت صيغة هذه الشروط في القرآن الكريم {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الممتحنة] .

ولما عاد هؤلاء الرجال إلى بلدهم أرسل معهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد أصحابه من السابقين إلى الإسلام وهو مصعب بن عمير -وهو فتى من بني عبد الدار، اشتهر بشدة الإخلاص للإسلام، ولقي من خلاف أهله أذى كبيرًا٥- وأمره أن يقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام، ويفقههم في الدين، فكان يسمى مصعب بالمدينة المقرئ، ويحدثنا ابن إسحاق أنه كان يصلي بهم، وذلك أن الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمه


١ نفسه.
٢ نفسه ص ٣٩.
٣ ياقوت ١٤/ ١٣٤.
٤ ابن هشام ٢/ ٤١.
٥ أسد الغابة ٤/ ٣٦٨- ٣٦٩.

<<  <   >  >>