وكان هذا هو الهجرة، وقد نزل القرآن بهذه المناسبة، ففرض على الناس أن يقاوموا الباطل بكل قوة، فإن لم يجدوا مخرجًا؛ فإنه يجب عليهم أن يهاجروا، وعليهم أن يتبعوا مثل النبي:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}[النساء]{وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً}[النساء] . فالهجرة بهذا أصحبت سنة إسلامية، وكان الناس يتداعون إلى الهجرة أيام النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعده، وكانت من نتيجة هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تكونت الدولة الإسلامية الأولى في يثرب، وقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- الهجرة أساسًا لنيل حق الرعوية لهذه الدولة اليثربية، واستمر هذا الشرط إلى فتح مكة سنة ٨هـ حتى انتهى شرط الهجرة وبقيت اختيارية، وهذا الشرط مذكور في آية قرآنية {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا}[الأنفال] وبالهجرة بدأ دور جديد في تاريخ الدعوة الإسلامية عرف بالدور المدني، اختلف في ظروفه وآثاره عن الدور المكي.