للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أكثر من ذلك حتى لا تكون حربًا أهلية بين مختلف بطونها إن هي همت بقتل واحد من هذه البطون، وإن كان بعض الموالي لقي حتفه في هذا السبيل. لكن الهجرة مع ذلك تمت وهاجر معظم المسلمين إلا من قدرت عليه قريش١.

وبقي النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يدري أحد أيبقى هو كما حدث في الهجرة إلى الحبشة، أم يهاجر في هذه المرة مثل أصحابه؟ وهذا الاحتمال الأخير هو الذي أخاف قريشًا، فإنه يستطيع من مهاجره الجديد أن ينظم جماعته، أو ينظم يثرب التي فشا فيها الإسلام بصورة تنبئ عن أنها ستكون مدينة إسلامية بعد وقت وجيز، ولو تم ذلك لهددت مكانة قريش الأدبية والدينية، لقيام هذا الدين الجديد الذي يسعى لتحطيم الوثنية في بلاد العرب، ويقضي بذلك على زعامة قريش الروحية ولهددت تجارة مكة تهديدًا خطيرًا لو وقف منها محمد موقف العداء والمخاصمة، وهو لا بد واقف هذا الموقف إن عاجلًا أو آجلًا، لما ألحقته به وبأصحابه من أذى، ولأنه يسعى لإقرار مبادئ جديدة لا بد لإقرارها من تشكيل جماعي وسياسي جديد، ولا بد أن نمى إليهم أنه يستعد للخروج، إذ كيف يخفى على أهل مكة ذلك مع أن أهل يثرب كانوا يتوقعونه وكانوا -كما تحدث الروايات- يخرجون إلى ظاهر المدينة ينتظرونه حتى تغلبهم الشمس.

لذلك مشى رجال قريش إلى بعضهم، وعقدوا اجتماعًا عامًّا في دار الندوة وتداولوا فيه الأمر، واستعرضوا كافة احتمالات الموقف ثم قر رأيهم على ضرورة التخلص من محمد شخصيًّا بالقتل، على أن يكون قتلًا جماعيًّا يشترك فيه كل بطن من بطون القبيلة بفتى يضربه مع الآخرين؛ حتى يتفرق دمه وتعجز عشيرته عن حرب كل البطون فترضى بالدية٢، وتتتخلص قريش من محمد وتنجو مكة من الحرب الأهلية؛ ويعود إليها كل أبنائها المهاجرين وتعود لها وحدتها كما كانت، ثم تسير في تأكيد سيادتها وتحقيق مصالحها٣. لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج من مكة قبل أن تستطيع القبيلة أن تحكم استعدادها، وأن تناله بما تريد، واستطاع بمهارة أن يفلت من مطاردة القوم، وكان موفقًا في خروجه توفيقًا كبيرًا، كانت عناية الله فيه من غير شك، فإن قريشًالم تترك وجهًا ولا مظنة اختباء إلا بحثت فيه؛ ولكنه نجا وهو منها قريب وإلى ذلك يشير القرآن الكريم {إِلاَّ تَنصُرُوهُ


١ ابن هشام ٢- ٢٦- ٥٩.
٢ ابن هشام ٢/ ١٠٩.
٣ نفسه ٢/ ٩٣-٩٥.

<<  <   >  >>