للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمنطقة بين قباء والمدينة من أخصب مناطقها، بل لعلها أخصبها وهي التي تثمر جل فاكهتها وخضرها، ومن ثم كانت منتزه أهل يثرب ومصحتها في مختلف العصور، يخرج إليها الناس للتريض، ويقيم بها الناقهون استعادة النشاط والقوة.

وحرة واقم التي تحد المدينة من الشرق كانت أكثر عمرانًا من الوبرة، وحين هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى يثرب سنة ٦٢٢ م كانت حرة واقم مسكونة بأهم قبائل اليهود من بني النضير وقريظة، وعدد من عشائر اليهود الأخرى، كما كانت تسكنها أهم البطون الأوسية: بنو عبد الأشهل، وبنو ظفر، وبنو حارثة، وبنو معاوية، وفي منازل بني عبد الأشهل كان يقوم حصنهم واقم الذي سميت الحرة باسمه. وقد ترك أصحاب هذه المنازل من اليهود والأوس آثارًا في الحرة تدل على حضارة ونظام، وتركوا بها آثار مصانع وصهاريج مياه لم يبق منها إلا أطلال دوارس ١، ولا عجب، فقد كانت هذه الحرة ميدانًا حرب منذ استقر الإسلام بالمدينة؛ فقد حاصر النبي -صلى الله عليه وسلم- اليهود من بني النضير حتى أجلاهم، ثم حاصر بني قريظة حتى قضى عليهم، وبها وقعت موقعة الحرة في عهد يزيد بن معاوية سنة ٦٣هـ.

وحرة الوبرة التي تحد المدينة من الغرب، تبدأ قبالة قباء من الجنوب عند ذي الحليفة ميقات الإحرام لأهل يثرب وأول الطريق إلى مكة. وبأقصى حرة الوبرة من ناحية الشمال بمجتمع أسيال المدينة تقع بئر رومة، وكانت مملوكة لرجل يهودي كان يبيع ماءها للمسلمين فاشتراها منه عثمان بن عفان استجابة لرغبة النبي -صلى الله عليه وسلم- ودفع ثمنها عشرين ألف درهم٢.

وتفصل حرة الوبرة بين المدينة ووادي العقيق، وقد كان لهذا الوادي في أنباء التاريخ من الذكر ما جعله وادي النعمة وخفض العيش والترف، حتى إنه إذا ما ذكر العقيق من أودية المدينة نسي الناس كل واد للعقيق سواه، مع أنه توجد أودية كثيرة بهذا الاسم في جزيرة العرب. ولقد كان هذا الوادي الخصيب الدافق بجداول المياه وبالعيون والآبار خاليًا من البناء لما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى يثرب، وعلى شفير العقيق


١ هيكل: في منزل الوحي ص ٥٥٧.
٢ أسد الغابة ٣/ ٢٨٠، البتنوني ٢٥٧، هيكل: نفسه ٥٧٩.

<<  <   >  >>