للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في أيديهم فقطعوا الحلف معهم وأساءوا معاملتهم. والعرب بدأوا فعلًا يتطلعون إلى وضع اقتصادي أفضل عن طريق مشاركة اليهود في تملك الأراضي الخصبة أو مغالبتهم عليها، ولدينا رواية أوردتها المصادر يؤيدها هذا الاتجاه العربي. قالوا: إن عمرو بن النعمان البياضي قال لقومه بياضة: إن عامرًا قد أنزلكم منزل سوء بين سبخة ومفازة، وإنه والله لا يمس رأسي غسل حتى أنزلكم منازل بني قريظة والنضير على عذب الماء وكريم النخل١. وهذا القول وإن كانت المصادر قد أوردته في ذكر حرب بعاث بين الأوس والخزرج ومن حالف الطرفين من اليهود، إلا أنه يعطينا فكرة عن اتجاه العلاقات العامة بين السكان في يثرب، وأنه كان يحكمها ويوجهها العامل الاقتصادي.

ويحاول بعض المؤرخين أن يربط الحوادث التي وقعت بين العرب واليهود بالسياسة الدولية في ذلك الوقت وبالنضال الديني بين المسيحية واليهودية، ويقولون: إن النكبة الشديدة التي نزلت باليهود في بلاد حمير قد أنتجت نتائج سيئة لم يكن في الإمكان أن تحدث لولا هذه النوائب. وأهم هذه النتائج تحمس العناصر النصرانية التي كانت تعتمد على مؤازرة الدولة الرومانية ضد الديانة اليهودية، وتحركها لهدم كيانها والقضاء على أصولها ومبادئها في جميع أنحاء الجزيرة العربية، وتهييج طمع القبائل العربية في أموال اليهود ومستعمراتهم، ورغبتهم في الحصول عليها والاستئثار بها٢.

ويقر المؤرخ Gratez أن البطون الأوسية والخزرجية لم تصارح اليهود بالعداوة والمعصية إلا بعد النكبة التي حلت باليهود في اليمن، إذ لا يتصور أن يضطهد اليهود في الحجاز في العصر الذي كان فيه ملوك متهودون يسيطرون على اليمن ويتعصبون ليدنهم ويناهضون كل من يناهضهم أو يعتدي عليهم٣.

يسوق ولفنسون أقوال المؤرخين المحدثين هؤلاء ويعززها بما ذكره بعض مؤرخي العرب من أن الحجاز الشمالية كانت في شبه تبعية لليمن في عصر وجود حمير المتهودة


١ الأغاني ١٥/ ١٥٥- ١٥٩ "طبعة مصر" السمهودي ١/ ١٥٣ ابن الأثير ١/ ٤١٧.
٢ ولفنسون ٥٩.
٣ عن ولفنسون ٦١.

<<  <   >  >>