بينهم: وهو يطلب سميرًا، وهم ينكرون قتله، ثم عرضوا عليه الدية فقبلها، وكانت دية الحليف فيهم نصف دية النسيب منهم، فأبى مالك إلا أخذ دية كاملة، وامتنعوا من ذلك وقالوا: نعطي دية الحليف وهي النصف، ولج الأمر بينهم حتى أتى إلى المحاربة. فاجتمعوا والتقوا واقتتلوا قتالًا شديدًا، وافترقوا، ودخل فيها سائر بطون الأنصار، ثم التقوا مرة أخرى واقتتلوا حتى حجز بينهم الليل. وكان الظفر يومئذ للأوس، فلما افترقوا أرسلت الأوس إلى مالك بن العجلان يدعونه إلى أن يحكم بينهم المنذر بن حرام النجاري الخزرجي جد حسان بن ثابت بن المنذر فأجابهم إلى ذلك، فأتوا المنذر فحكم بينهم بأن يدوا كعبًا حليف مالك دية الصريح، ثم يعودون إلى سنتهم القديمة، فرضوا بذلك وحملوا الدية، وافترقوا وقد شبت البغضاء في نفوسهم وتمكنت العداوة بينهم١.
ثم كانت لهم بعد ذلك حروب استمرت أكثر من مائة سنة وكان آخرها يوم بعاث قبل الهجرة بخمس سنوات. وقالوا في حرب بعاث: وكان سببه أن الحروب المتقدمة كلها كان الظفر في أكثرها للخزرج على الأوس، حتى ذهبت الأوس لتحالف قريظة؛ فأرسلت إليهم الخزرج: لئن فعلتم فأذنوا بحرب، فتفرقوا وأرسلوا إلى الخزرج: إنا لا نحالفهم ولا ندخل بينكم. فقالت الخزرج لليهود: فأعطونا رهائن وإلا فلا نأمنكم. فأعطوهم أربعين غلامًا من بينهم، ففرقهم الخزرج في دورهم. فلما أيست الأوس من نصرة اليهود حالفت بطونًا منهم الخزرج. منهم بنو عمرو بن عوف، وقال سائرهم: والله لا تصالح حتى ندرك ثأرنا، فتقاتلوا وكثر القتل في الأوس لما خذلهم قومهم، وجرح سعد بن معاذ الأشهلي فأجاره عمرو بن الجموح الحرامي. فلما رأت الأوس أنهم إلى قل، عزموا على أن يكونوا حلفًا للخزرج في المدينة، ثم اشتوروا في أن يحالفوا قريشًا فأظهروا أنهم يريدون العمرة، وكان بينهم أن من أراد حجًّا أو عمرة لم يعرض له، فأجار أموالهم بعدهم البراء بن معرور الخزرجي، فأتوا مكة فحالفوا قريشًا. لكن الوليد بن المغيرة قال لقريش: والله ما نزل قوم قط على قوم إلا أخذوا شرفهم
١ الأغاني ٣/ ١٩- ٢٦، ٤١- ٤٢، ابن الأثير ١/ ٤٠٢- ٤٠٣.