للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما كانت عدة الحرب عزيزة عند من يمتلكها لا يبيعها ولا يراها تفضل عنه١، لشدة حاجتهم إليها في الدفاع عن أنفسهم حتى ليرونها عديل الولد٢.

ولولا خلافات يثرب الداخلية التي مزقت وحدتها وشتت جهودها؛ لكان من الممكن أن يكون لها شأن خطير في الجاهلية، ولكان من الممكن أن تكون منافسًا خطيرًا لمركز مكة ولربما تغلبت عليها كما حدث بعد الهجرة.

ولما كانت العلاقات بين يثرب وجيرانها من البدو علاقة حذر وتربص؛ فإن يثرب قد اطمأنت إلى قوتها، ولم تتوسع في علاقاتها مع القبائل العربية إلا بحسب ظروف الأخذ والعطاء من بيع وشراء مع القبائل المجاورة لها. وقد ذكرت المصادر محالفات للبطون اليثربية العربية مع بعض القبائل الضاربة حول يثرب، فحالفت بعض بطون الأوس قبائل سليم ومزينة التي كانت تعيش إلى شرقي يثرب، وحالفت بطون الخزرج قبائل جهنية التي كانت تعيش إلى غربي المدينة وأشجع التي كانت تعيش إلى شمالها الغربي٣. لكن المحالفات القبلية حالات طارئة اقتضتها ظروف المصالح المشتركة؛ ولذلك كثيرًا ما كانت تنقض القبائل محالفاتها وتتجه بها إلى حيث تكون مصالحها.

ومن هنا رأينا بعض هذه القبائل التي حالفت الأوس والخزرج خرجت على هذا الحلف في أيام الصراع بين مكة والمدينة بعد الهجرة، وقد اشتركت سليم وأشجع في الهجوم على المدينة في غزو الأحزاب٤. لكنها عادت بعد ذلك فاشتركت بكل قواتها إلى جانب يثرب عند فتح مكة، وهي في كلتا الحالتين كانت تجري وراء مصالحها. ولم نر ليثرب محالفات واسعة مع القبائل العربية البعيدة عن المدينة، مما يدل على أن نشاط يثرب كان محدودًا في الجزيرة العربية، وأنها كانت مشغولة بظروفها الداخلية وبنشاطها الزراعي، فلم تتوسع في نشاطها الخارجي.

ولم تكن ليهود يثرب محالفات خارجية، ويبدو أنهم لم يروا في هذه المحالفات منفعة لهم في صراعهم ضد الأوس والخزرج، إذ إنهم لو جلبوا قبائل أخرى إلى


١ الأغاني ١٣/ ١٢٠ طبعة مصر.
٢ انظر ابن هشام ٢/ ٤٣٧ عن مفاوضة بعض الأنصار مع كعب بن الأشرف.
٣ الأغاني ١٥/ ١٥٩ طبعة مصر.
٤ إمتاع ١/ ٢١٨- ٢١٩.

<<  <   >  >>