يثرب، لربما هيجوا أطماع هذه القبائل فيما عندهم ولكانت العاقبة تهديد العرب واليهود في يثرب على السواء، فلم يشاءوا أن يوسعوا دائرة النزاع، واطمأنوا إلى قوة عرب المدينة في الدفاع عنها ضد العدو الخارجي، ومن ثم اكتفوا بأن تكون علاقاتهم بالقبائل علاقة منفعة مادية يجدونها في البيع والشراء، ومزاولة الربا واستغلال حاجة الأعراب إلى حاصلات المدينة ومصنوعاتها ولتنمية ثرواتهم.
وكانت علاقة أهل يثرب جميعًا طيبة مع مدن الحجاز؛ فكانت علاقتهم حسنة مع مكة والطائف وخيبر حيث كانوا يتبادلون المنافع؛ فيصرف اليهود صناعاتهم من حلي وسلاح، ويمتار أهل مكة ما يحتاجون إليه من تمر المدينة، كما يحصل أهل يثرب على ما يحتاجون إليه من المجلوبات الخارجية التي تتاجر فيها قريش، ومن حاصلات الطائف.
أما علاقات يثرب بالممالك والدول على أطراف الجزيرة وخارجها فكانت محدودة؛ فلم تحدثنا المصادر بشيء عن علاقات قامت بين أهل يثرب وبين الفرس أو الروم، ويرجع ذلك إلى أن المدينة لم تشارك في التجارة الخارجية في الجزيرة العربية مشاركة ذات أثر، وإن كان لا يستبعد أن يكون بعض رجالها قد ذهبوا إلى البلاد التابعة للدولتين في بعض التجارات.
أما علاقات يثرب بالغساسنة، فقد رأينا صورة منها في استنجاد الأوس والخزرج بعرب غسان ضد اليهود. لكننا لم نجد استمرارًا لهذه العلاقة بعد ذلك. فلم يذكر المؤرخون شيئًا عن اتصال الغساسنة بشئون يثرب الداخلية بعد ذلك، وإن كانت العلاقات الحسنة قد ظلت بين الطرفين، إذ تحدثنا المصادر عن وفادات شاعر المدينة حسان بن ثابت الخزرجي على ملوك غسان ومدحه لهم وصلاتهم له١.
أما صلات المدينة باليمن فهي قديمة ترجع إلى أيام المعنيين، فقد كان يثرب إحدى المحطات على طريق التجارة المار بالحجاز، وحين قدم اليهود إليها كانت بها بطون عربية من اليمن. ثم إن الأوس والخزرج أنفهسم قدموا إليها من اليمن بعد تفرق قبائل الأزد اليمنية وهجراتها نحو الشمال، وترى المصادر أن التبع أبا كرب تبان أسعد