الحقوق، وقد ألحق بعضهم بنص صريح تمشيًا مع الروابط الحلفية بينهم وبين الأنصار، ووضع بند عام لكل من يتبع الأمة بعد ذلك منهم ثم عزز هذا البند بمحالفات خاصة بعد ذلك. وعلى هذا فدرجة الانتماء للأمة لم تكن واحدة بحيث بقي ما يشبه التمايز العربي القديم بين أصحاب الحق الكامل وبين غيرهم من تابع ونزيل.
والأمة برغم أنها ضمت كل طوائف المدينة؛ فإنها لم تكن تتكون من أفراد؛ وإنما كانت تتكون من جماعات، فالفرد لا ينتمي إلى الأمة إلا عن طريق العشيرة والقبيلة، فقد جاء في الصحيفة أن تبقى القبائل كما هي وأن تدخل في الأمة كما هي، وبذلك بقي التشكيل الاجتماعي القبلي كما هو، ومع أن الإسلام أنكر نظريًّا فكرة امتيازات المجتمع الوثني في العصر الجاهلي؛ إلا أن نظام القبيلة بقوته الداخلية وأسلوبه في معاملة الغرباء كان أمرًا مفيدًا بحيث لم يكن بالإمكان نبذه أو الاستغناء عنه، وكذلك ترك رؤساء القبائل كما هم ولم يحل محلهم موظفون دينيون.
أما فيما يتصل بالعلاقة بين الأمة والقبائل وبتحديد سلطة كل منهما وواجباتها؛ فقد بقيت على القبائل النفقات التي ليست ذات صبغة خاصة محضة وخصوصًا دفع الدية وفداء الأسرى. وذلك أنه لم تكن قد وجدت بعد خزينة للدولة. وكذلك بقى للعشيرة والقبيلة مسألة الولاء، فلا يجوز لأحد أن يحالف مولى دون مولاه، وكذلك بقي حق الإجارة لم يقيد، فلكل فرد الحق في أن يجير شخصًا غريبًا وهو لذلك يلزم الجماعة كلها، ولكن استثني من هذا إجارة قريش ومن نصرها؛ فإن ذلك كان محرمًا على كل المشتركين في هذه الصحيفة.
وبمقتضى كل ذلك أصبح على القبائل أن تتنازل عن حق الأخذ بالثأر فيما بينها؛ لأن أول غاية للأمة هو منع نشوب حرب في الداخل فإذا قام نزاع؛ وجب أن يعرض على القضاء، وقد جاء في الصحيفة:"وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد -صلى الله عليه وسلم- وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل ومحمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فإذا تعكر السلام في الداخل بسبب القتل أو الفساد وجب لا على المجني عليه أو على قبيلته أو