للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الجماعة كلها فحسب، بل على أقرباء الجاني نفسه أن يهبوا متكاتفين عليه وأن يسلموه لصاحب الثأر لكي يقتاد منه بالعدل. وعلى هذا لم يصبح الثأر أمرًا يتحول إلى ثأر يجر ثأرًا، كما كانت الحال في القبيلة العربية من قبل حيث لم تكن هناك سلطة لها قوة القهر، أما في المدينة فقد نفذ مبدأ العقاب بالمثل تنفيذًا صارمًا؛ لأن الله في المدينة فوق رابطة الدم، لكن العقاب بالمثل لم يكن قد صار عقابًا بالمعنى الحقيقي؛ لأن تنفيذه كان متروكًا للمجني عليه أو وليه، وكان له أن يثأر لنفسه أو يتنازل عن الثأر ويأخذ الدية أو يعفو، ولكن مع هذا فإن مبدأ العقاب بالمثل صار نقطة انتقال من مبدأ الأخذ بالثأر إلى مبدأ الأخذ بالعقاب؛ وذلك أنه بانتقال حق التأديب من الفساد إلى الجماعة حدثت خطوة مهمة في سبيل جعل الأخذ بالثأر شأنًا من شئون الدولة، وكانت الخطوة كافية لتفادي الترات الداخلية ولكي يسود السلام في منطقة المدينة ويكون شاملًا لا استثناء فيه، وعلى هذا لم تصبح هناك جماعات متعددة بتعدد القبائل تراعي السلام، الأمر الذي يجعل حمايتها غير كافية أو على الأقل غير فعالة على الوجه المرضي خارج حدود القبيلة، بل أصبح هناك سلام واحد شامل هو سلام الأمة.

والغرض الثاني الذي أوضحته الصحيفة هو اتحاد القبائل لرد كل عدوان من الخارج، وعلى المؤمنين أن ينصر بعضهم بعضًا دون الناس، وهم يتعاقلون بينهم ويدهم على من سواهم، وهم على من بغى منهم. وليس واجب الثأر من الأعداء واقعًا على أقرباء المقتول بحكم رابطة الدم؛ وإنما هو واقع على كاهل المؤمن ليثأر للمؤمن، وبذلك خرجت الحرب من أن تكون داخلة ضمن الثأر للدم كما كانت من قبل هي والثأر للدم شيئًا واحدًا، وإنما صارت الحرب حربًا فحسب، وكذلك صار السلام مع قوم أجانب أمرًا يعم المؤمنين جميعًا شأنه شأن الحرب، بحيث لا يستطيع أحد منهم أن يعقد سلامًا منفردًا لا يكون سلامًا للجميع.

وهكذا رسمت الصحيفة التخطيط العام للأمة، وإذا كانت هناك بعض الثغرات متمثلة في حق المجني عليه في الأخذ بالثأر أو العفو، وفي حق الإجارة الذي يجب أن يكون من حقوق سيادة الأمة ورئيسها، إلا أن نظام الأمة أخذ يكتمل شيئًا فشيئًا،

<<  <   >  >>