للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما العنصر الثاني من عناصر الضعف فقد كان ممثلًا في طائفة من عرب المدينة من الأوس والخزرج، ومن بعض المتهودة، ومن رجال بعض البطون اليهودية الصغيرة دخلوا في الإسلام ظاهريًّا، فعرفوا بالمنافقين١.

وكان رأس هذه الطائفة رجل من زعماء الخزرج هو عبد الله بن أبي بن سلول من بني الحبلى. وقد رأى هذا الرجل أن هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد فوتت عليه مصلحة عاجلة كادت تصل إليه؛ ذلك أن الأوس والخزرج قد تصالحوا بعد يوم بعاث واتفقوا على أن يملكوا عليهم رجلًا منهم، وكان عبد الله هذا هو الزعيم الذي وقع عليه الاختيار، فإنه كان قد لزم الحياد في مراحل الصراع الأخير بين القبيلتين، وفعلًا استعد قومه لتوليته مقاليد الرياسة؛ فلما كانت الهجرة تغير الوضع وفات عبد الله ما كان يريد وينتظر، من أجل هذا ضغن على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى الوضع الجديد كله، والتف حوله طائفة ممن شايعه، كما التف حوله اليهود لاتفاق مصلحة الطرفين٢.

وقد عملت طائفة المنافقين على خلق المتاعب في المدينة، غير أن خصومة هؤلاء المنافقين تختلف عن خصومة اليهود وإن اتحدت مصلحة الطرفين في مناوأة النبي -صلى الله عليه وسلم- فالمنافقون من عرب يثرب يرتبطون بعشائرهم برابطة الدم والقرابة، وليس من السهل التخلص منهم بإخراجهم من يثرب كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- باليهود، كما أنه من الصعب التخلص منهم بالقتل وإلا تعرضت المدينة لحرب العصبية، وتعرض النبي -صلى الله عليه وسلم- لأن يقال: إنه يقتل أصحابه، وفي هذا إضعاف لمركز الدعوة الإسلامية بين القبائل، لو شن العدو دعاية من هذا النوع، فقد كان المنافقون يظهرون الإسلام، فهم في الظاهر مسلمون ومن أصحاب محمد، وقد استشعر النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الحرج حين أشار عليه عمر بن الخطاب بقتل عبد الله بن أُبَي بعد أن سعى بالفتنة بين المهاجرين والأنصار في غزوة بني المصطلق، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمر: " فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه"٣، وقد استعان النبي -صلى الله عليه وسلم - على هذه الطائفة بعشائرها التي كانت تدرك موقف هؤلاء المنافقين وتقدر حلم النبي -صلى الله عليه وسلم- بهم رعاية لخاطر عشائرهم، وقد جعلت هذه


١ نافق الرجل إذا أظهر الإسلام لأهله وأضمر غير الإسلام وأقام مع أهله. ومحل النفاق القلب. القاموس مادة: ن ف ق.
٢ السمهودي ١/ ١٥٥.
٣ ابن هشام ٣/ ٢٣٥.

<<  <   >  >>