من القتل في الشهر الحرام وفي غير الشهر الحرام. وقريش والمشركون الذين ينعون على المسلمين هذا العمل في الشهر الحرام لا يزالون يقاتلون المسلمين حتى يردوهم عن دينهم إن استطاعوا. فإذا كانت قريش تعد القتال في الشهر الحرام من الكبائر، فماذا تقول عن ارتكابها لهذه الكبائر كلها: تصد عن سبيل الله وتكفر به، وتخرج أهل المسجد الحرام منه وتفتنهم عن دينهم، وتحبس الضعفاء وتعذبهم؟ إنه لا جناح على من تقع عليه أوزارها وكبائرها هذه إن هو قاتلها في الشهر الحرام، وحق واجب على كل من يرى غيره يحاول فتنته عن دينه أو يصده عن سبيل الله أن يقاتل في سبيل الله. ومن هنا شرع الجهاد في الإسلام {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}[الحج]{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[البقرة]{وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا}[النساء] .
وكانت هذه السرية كذلك مفترق طرق في سياسة المسلمين إزاء قريش؛ فقد بدأ المسلمون بعدها يفكرون تفكيرًا جديًّا في وقف قريش عند حدها، واتخاذ موقف الشدة الصريح معها، ذلك أن قريشًا حاولت إثارة شبه جزيرة العرب كلها على محمد وأصحابه، حتى أيقن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن لم يبق في مصانعتها أو الاتفاق معها رجاء؛ لذلك اعتزم أن يقف من اعتداءاتها على حدود دولته، بتمرير تجارتها على أراضيها وإدلالها عليه بالقوة موقفًا صارمًا. فما لبث حين علم بخروج قافلة كبيرة من قوافلها إلى الشام بقيادة أبي سفيان- أن خرج لسد هذا الطريق ومصادرة هذه القافلة، فلم يلحق القافلة ولكنه اصطدم بقوات قريش التي جاءت لنجدتها، فكانت موقعة بدر على رأس تسعة عشر شهرًا من الهجرة.
ونشير هنا إلى نقطة مهمة لم يلتفت إليها المؤرخون من قبل، وهي اشتراك الأنصار لأول مرة في هذه الغزوة، فإن السرايا الثمانية الأولى التي وقعت من قبل كانت كلها من المهاجرين١، ولم يبدأ اشتراك الأنصار إلا في غزوة بدر سنة ٢ هـ. فما تفسير ذلك الموقف؟
١ ابن هشام ٢/ ٢٢٤، ٢٣٨، ٢٣٩، ابن سعد ٣/ ٤٥- ٤٨، جوامع السيرة ١٠١- ١٠٦.