للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلقد كانت هذه الطبقة محرومة مما نسميه الآن الحقوق المدنية، فليس لها حقوق الملكية والمقاضاة، وليس للعبد أن يتزوج إلا بإذن سيده على أن يتزوج رقيقًا مثله. كذلك كان أفراد هذه الطبقة يزاولون في المجتمع العربي المهن والصناعات التي يستنكفها العربي الصميم، ففي البادية يرعون الماشية، ويقومون بخدمة المنزل، وفي الحواضر يقومون بممارسة الصناعات الموجودة هناك كالحدادة والنجارة والحلاقة والحجامة وغيرها، إذ إن العرب كانوا يأنفون من أمثال هذه الصناعات. وكان وجود هذه الطبقة أمرًا عامًّا في المجتمع القديم كله يحتمه الوضع الاقتصادي في ذلك الوقت.

على أن العبد كان يمكنه أن يسترد حريته، وذلك بأن يؤدي لسيده خدمة عظيمة، كأن ينقذه هو أو أهل بيته من هلاك محقق -وهذا في الغالب شرط الحرية- أو يظهر شجاعة نادرة في موقعة من المواقع، فتكون هذه الشجاعة شفيعة للتحرر، أو بأن يتفق مع سيده على أن يشتري حريته بالمال، وهذا ما يسمونه بالمكاتبة، والرقيق الذي يتحرر بهذا يقال له المكاتب١. أو بأن يوصي سيده بعتقه بعد وفاته تقربًا للآلهة، ويسمى هذا بالمدبر٢.

ولقد كان للوضع السيئ لهذه الطبقة أثر كبير في سرعة استجابتها للدعوة الإسلامية ونجاحها في أطوارها الأولى، إذ إن الأرقاء والموالي هم الذين سارعوا لتلبيتها؛ لأن الإسلام قام بثورة اجتماعية فسوى بين السيد والعبد لقول الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات] وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم لآدم، وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى". وقوله: "ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى". وقد أنعشت هذه المبادئ نفوس هؤلاء المستضعفين والمحرومين فلبوا الدعوة التي تنتشلهم من الوهدة التي كانوا فيها.

طبقة الموالي:

إن كلمة مولى كلمة مرنة في اللغة، إذ إنها تسع كل المتناقضات، فهي من باب المشترك اللفظي؛ ففي القاموس: الْوَلْيُ الدنو والقرب، والولاية: النصرة، واستولى


١ أنساب الأشراف ١/ ٤٨٧.
٢ المصباح المنير ١/ ٢٥٦ "طبع وزارة المعارف" أسد الغابة ١/ ٤٣- ٤٤.

<<  <   >  >>