للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الهبة وبقيت عليهم النصرة والنصيحة والرفادة والعقل والولاء والمشورة، ومن هنا ندرك عمق هذه الصلة وبلوغها حد النسب الصحيح، وكان الحليف كالصريح يخلع من القبيلة إذا أتى بعمل مشين. وكما يكون الحلف بين فرد وفرد، وبين فرد وقبيلة، كذلك كان يحدث كثيرًا أن يلتحق بطن أو عائلة من قبيلة بقبيلة أخرى، فيكون أفرادها موالي القبيلة الجديدة١، وتقطع تبعاتها إزاء وحدتها الأولى، وتنتقل إلى تبعات القبيلة الجديدة من حروب ودماء وعقل ومصالح مشتركة، ما عدا الميراث الذي كان يقوم عند الحلف الفردي. وفي كتب التاريخ والسير والتراجم أسماء كثيرين يذكرون، فيقال مثلًا: القرشي ولاء أو الثقفي ولاء، ويراد بذلك هذا الولاء الذي أشرنا إليه، وليس ولاء العبودية والرق.

وكذلك كانت تقوم المحالفات بين القبائل، فتحالف قبيلة قبيلة أخرى أو عدة قبائل. وهذا التحالف يشبه المعاهدات السياسية في الوقت الحاضر؛ فإذا أحست قبيلة بضعفها أمام القبائل القوية انضمت إلى قبيلة قوية لتحميها، وقد تمر الأجيال وتنسى القبائل المتحالفة أسماءها وشخصياتها، وتنضم تحت اسم واحد.

ويظن أن هذه المحالفات لعبت دورًا كبيرًا في تكوين القبائل العربية، إذ كانت تنضم العشائر الضعيفة إلى العشائر القوية الكبيرة؛ لتحميها وترد العدوان عنها، ويقول البكري: فلما رأت القبائل ما وقع بينها من الاختلاف والفرقة، وتنافس الناس في الماء والكلأ والتماسهم المعاش في المتسع، وغلبة بعضهم بعضًا على البلاد والمعاش واستضعاف القوي الضعيف؛ انضم الذليل منهم إلى العزيز، وحالف القليل منهم الكثير، وتباين القوم في ديارهم ومحالهم، وانتشر كل قوم فيما يليهم٢. ومن القبائل التي تمثل ذلك خير تمثيل قبيلة تنوخ التي قامت على أساس حلف عقدته


١ الأغاني: ٢/ ٢٤٢، ٢٤٣، ٣١٦ - ٣ / ٣٨. ابن الأثير ١/ ٣٧٠.
٢ البكري: معجم ما استعجم "طبعة السقا" ١/ ٥٣.

<<  <   >  >>