للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دم واحدة وبلغ مر الظهران -على أربعة فراسخ من مكة- دون أن يحس أي استعداد من قريش للقائه، فهل عميت الأخبار على قريش حقيقة؟ أم أنها كانت غافلة غير متوقعة قدوم محمد لغزوها، أم تراها كانت في اضطراب لا تستطيع معه أن تحسم أمرها؟ إننا إذا تتبعنا الحوادث فربما يمكن الوصول إلى تقرير الأمر تقريرًا صحيحًا.

وأول ما يطالعنا في هذا الشأن أن العباس بن عبد المطلب لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجحفة ومعه أهله قد خرج إلى المدينة١، وحين لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسل أهله إلى المدينة وعاد مع جيش المسلمين، ثم إن الأمر لم يقف عند العباس وحده، وإنما خرج رجال من بني هاشم: منهم من كان يعادي الإسلام عداء شديدًا من أمثال أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، فلقوا النبي -صلى الله عليه وسلم- في الطريق وأخذوا منه الأمان لأنفسهم٢.

والأمر الثاني: هو أن أبا سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء قد خرجوا من مكة والتقوا بالعباس الذي أوصل أبا سفيان للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن أجاره، فأسلم أبو سفيان٣، وأعلن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.

والأمر الثالث: هو أن بعض رجال مكة قد استعدوا للقتال وجمعوا قوتهم في مدخل من مداخل مكة واشتبكوا مع قوات المسلمين، حتى هزموا وفروا٤.

ونحن إذا بحثنا هذه الأمور الثلاثة أمكننا أن نخرج برأي: فأما العباس بن عبد المطلب؛ فقد درج على أن يكتب للنبي -صلى الله عليه وسلم- دائمًا يعلمه كل تحركات قريش ضده، فقد كتب له حين استعدت قريش لغزوه في موقعة أحد، وكتب بشأن استعدادها لغزوة الأحزاب، وتتحدث بعض المصادر أنه استأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الهجرة، بعد أُحُد وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره بالبقاء في مكة، فإن بقاءه في مكة أكثر فائدة للمسلمين٥.

ثم ها هو يخرج للمدينة والجيش متجه إلى مكة لفتحها، مما يوحي بأن مهمته في البقاء بمكة قد انتهت، ثم إن العباس كان صديقًا شخصيًّا لأبي سفيان بن حرب وبينهما من الود ما يسمح بالتكاشف بين الرجلين إذا استقر رأي أبي سفيان على التسليم، وقد عرف عن العباس دائمًا البر بقومه والحرص على مصلحة قريش؛ ولذلك كان اهتمامه كبيرًا بأن يأخذ الأمان لقريش. ثم هل كان خروج بني هاشم إلى لقاء النبي -صلى الله عليه وسلم- حين


١ ابن كثير ٤/ ٢٨٧. إمتاع ١/ ٣٦٧.
٢ ابن هشام ٤/ ١٨. إمتاع ١/ ٢٦٩. ابن كثير ٤/ ٢٨٧.
٣ ابن هشام ٤/ ١٨- ٢١. إمتاع ١/ ٣٦٨- ٣٧١.
٤ ابن هشام ٤/ ٢٦- ٢٧.
٥ أسد الغابة ٣/ ١١٠.

<<  <   >  >>