للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قدومه محض صدفة؟ أم أنهم كانوا على علم بنوايا النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو مكة وخروجه لفتحها؟ وإذا كانوا على علم فهل خفي هذا الأمر على قريش؟ ثم خروج الزعماء الثلاثة إلى حيث لقوا العباس، هل كان صدفة كما تصوره الروايات؟!

إننا إذا درسنا شخصيات هؤلاء الثلاثة نقطع بعدم الصدقة في هذا الخروج، فأبو سفيان كان قد أدرك الموقف حين ذهب إلى المدينة وفشلت سفارته في تأكيد العقد وزيادة المدة، وهو كقائد لقريش في صراعها قد أدرك أن الموقف في غير صالح مكة، ثم إن خروج قائد مثله للتجسس أمر فيه خطورة، إذ من المحتمل أن يقع في يد العدو ثم هي مغامرة لا مبرر لها إلا أن تكون لأمر مقصود، ولقاؤه مع العباس في مكان معين غادر العباس الجيش وذهب إليه في الليل أمر يوحي بتدبير متفق عليه، وحين لقي أبو سفيان العباس ركب معه مباشرة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يلبث أن أسلم وقبل أن يكون داعية سلام.

وحكيم بن حزام رجل اشتهر منذ معركة بدر بأنه ضد الحرب١ وكان حريصًا على ألا يقع الاشتباك الأول بين المسلمين وقريش، وهو من قبل كان يعطف على موقف بني هاشم حتى كان يمدهم بالطعام حين كانوا محصورين بالشعب في مكة، ثم كان ضمن العاملين على نقض صحيفة المقاطعة، ثم هو ابن أخي خديجة زوجة النبي، فهو يرتبط به برابطة الصهر فوق رابطة القرابة.

ثم إن بديل بن ورقاء الخزاعي قد خرج يستنصر النبي -صلى الله عليه وسلم- على قريش وهو لا بد عالم بنية النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزو مكة، وأبو سفيان كان يعلم عنه خروجه إلى -النبي صلى الله عليه وسلم- فاستصحابه في هذه الليلة لا يمكن أن يكون للتجسس إذ كيف يتجسس بديل وقد طلب من النبي النصرة؟ وإذن فلا سبب لخروجه مع أبي سفيان غير تسهيل الاتصال بالنبي -صلى الله عليه وسلم.

إذا تأملنا كل هذا؛ قطعنا بأن قريشًا كانت تتوقع الغزو، وأنها لم تستطع أن تعد قوة كافية لمواجهة المسلمين، وأنها كانت على خلاف من أمرها، بدليل أن بعض رجالها استعد للمقاومة، وقام بها فعلًا، ويعزز هذا ما روته المصادر من أن قريشًا بعثت أبا سفيان يتجسس الأخبار، وإن لقي محمدًا يأخذ لهم منه جوارًا، فإن رأى رقة من أصحابه آذنه بالحرب٢.


١ الواقدي ٤٥- ٤٧.
٢ إمتاع ١/ ٣٦٨.

<<  <   >  >>