للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بنوه الأقربون١. والعصبية أن يدعو إلى نصرة عصبته والوقوف إلى جانبه ظالمين أو مظلومين. هذا هو المعنى المفهوم من كلمة عصبية. ولقد كان شعار العصبية في الجاهلية: انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا؛ فالعصبية تعبر عن غريزة الدفاع الكامنة في كل كائن مادي أو معنوي، بصرف النظر عن العدالة وعدمها.

والعصبية في الفطرة بمنزلة القومية أو الوطنية في العصور الحديثة، وهذه الروح هي روح التضامن الشديد التي يعتز بها المجتمع القبلي، ولقد كانت قوية جدًّا في القبائل العربية على خلاف المعروف في المجتمعات الحضرية.

وإذا بحثنا عن مصدر القوة الوطنية في أمة حية، نجده المصلحة العامة؛ لأنه لو ترك الأمر لكل فرد من أفراد الأمة في أن يعمل كما يرى في المسائل العامة؛ لانهدم النظام وانهارات الأمة، فالمصلحة العامة أساس هذا الروح الذي يجعل كل فرد من الأمة يسهم بنصيب وافر في طريق واحد لغاية واحدة يصبو إليها الجميع. لكننا نلاحظ -حتى في المجتمعات الحديثة- شيئًا آخر غير المصلحة العامة، والحقيقة أن المصلحة مقياس جاف، إذ إن الوطنية تقوم على شيء آخر يُذْكيها إلى جانب المصلحة، ذلك هو عامل الشعور؛ لأن عاطفة الوطنية إذا لم تغذ بالشعور تصبح فاترة. فالوطنية الملتهبة هي التي يذكيها ويحركها الشعور، وللشعراء والكتاب والأدباء نصيب كبير في إذكاء هذا الشعور، إذن فالمصلحة العامة والشعور هما قوام العصبية العربية كما أنهما أساس القومية الحديثة.

ولقد كان من مصلحة القبيلة أن تكون يدًا واحدة في كل الأحوال؛ لأنها إذا انقسمت على نفسها في أمر ما تلاشت، فالمصلحة كانت -ومازالت- تقتضي وجود التضامن الشديد، إذ إن القبيلة محاطة بالأعداء، فانقسامها معناه ضعفها وتلاشيها. أما عن عامل الشعور فكان كل فرد في القبيلة يحس بأنه مدين في كل شيء عنده إلى قبيلته؛ فهي التي حمته وترعرع بين ظهرانيها حتى صار رجلًا، فكان لزامًا عليه أن يخلص لها ويتفانى في الدفاع عن شرفها، ومن يطالع الشعر الجاهلي يجد الشاعر قد أذاب شخصيته -أو كاد- في شخصية القبيلة، ففضائلها ومحامدها العامة هي فضائله


١ لسان العرب، مادة ع ص ب. المصباح المنير ٥٦٤- ٥٦٥.

<<  <   >  >>