للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لما مات أبو طالب ذهب إلى محمد يقول له: "يا محمد, امضِ لما أردت وما كنت صانعًا إذا كان أبو طالب حيًّا فاصنعه، ولا واللات لا يوصل إليك حتى أموت"١.

ولقد أبقى الإسلام على رابطة العشيرة والأرحام فلم يمحُها بل جعلها داخل النطاق العام، فقد بقيت على العشائر النفقات التي ليست ذات صبغة خاصة محضة وخصوصًا دفع الدية وفداء الأسرى، كذلك أبقى للعشيرة مسألة الولاء٢. كذلك أراد الإسلام الانتفاع بسلطان هذه العصبية العشيرية في تقريب الناس للإسلام بدعوة المخالفين إلى مهادنة المسلمين. {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء] ٣ فهو يهتف بهم أن يتقوا الأرحام التي يتساءلون بها ويعز عليهم أمرها ويتأثرون بها في حياتهم المادية والمعنوية، ثم إنه كان يذكر قريشًا بالرحم التي بينها وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبأنه لا يحرص على إيمانهم وهداهم إلا استجابة لعاطفة الرحم التي تدعوه إلى الحرص على خيرهم، كما يجب أن تدعوهم لتصديقه واتباعه، فهو غير متهم في مصلحة أهله {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى] كما أنه دائمًا كان يذكي روح المسلمين، ويعير المنافقين والمتخاذلين بأنهم إنما يقطعون أرحامهم بجبنهم عن نصرة إخوانهم {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد] . ومع أن رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت شاملة عامة، إلا أنه كلف أول ما كلف بأن ينذر عشيرته الأقربين {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين} [الشعراء] حتى إذا آمنوا انتصروا له فكانوا درعًا يحول دون أذَى الناس له، ولقد جرى الإسلام في هذا على مفهوم الوضع الاجتماعي في المجتمع العربي على أن موقف أقاربه من عدم تصديقه كان له أثر كبير في مقابلة أهل مكة الدعوة بالفتور والاستخفاف، إذ قد جرت العادة أن يتابع الشخص أقرباءه بدافع العصبية فهم ينتصرون له ويتفاخرون به ويفاخرون به غيرهم.

ولقد واجه المسلمون كثيرًا من الحرج والمشاكل نتيجةً لعصبية الأرحام خاصة، فقد كان يحدث أن يكون الابن أو الأخ أو الأب في صفوف المسلمين، والأب أو الأخ


١ ابن سعد: الطبقات: ١/ ١٩٥.
٢ انظر الصحيفة التي كتبها النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة. ابن هشام، ٢/ ١٢١- ١٢٣.
٣ تفسير الطبري ٧/ ٥١٨- ٥٢٠.

<<  <   >  >>