للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو الابن في صفوف المشركين في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فيحدث الحرج, وتبدو الميول العصبية؛ مما اقتضى نزول القرآن بالزجر الشديد عن متابعة هذه الميول: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة] . والروايات المتواترة تذكر مواقف لبعض المسلمين دفعتهم إليها عصبية الرحم، فتذكر كيف ظهر القنوط والأسف على وجه أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة حينما رأى مصرع أبيه في معركة بدر١. وكذلك موقف حاطب بن أبي بلتعة حينما كتب لقريش ينبئها باستعداد النبي -صلى الله عليه وسلم- لغزو مكة مصانعةً لها على أهل له وولد بين قريش٢.

وتظهر شخصية العشيرة في بعض المواقف مثل:

ولاية الدم:

كان من المعروف في التقاليد العربية أن للقتيل وليًّا أو صاحب دم يطالب به. ويكون حقه في هذا الطلب معترفًا به من الجميع من القبيلة أو من غيرها. بحيث يكون له بذلك سلطان. أي حق واجب يجب نصره للحصول عليه {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا} [الإسراء] والولي أو صاحب الدم إنما يكون من عصبة القتيل القريبة، ليس من الضروري أن يكون ابن القتيل أو أباه أو أخاه- وإن كان هؤلاء هم أصحاب الحق الأول- بل يكون رئيس العشيرة باعتباره ممثلًا للعائلة التي يعد القتيل قتيلها والدم دمها. وهذا التقليد هو الذي حدا بمعاوية بن أبي سفيان، دون أبناء عثمان، أن يقوم مطالبًا بدم الخليفة المقتول على اعتبار أنه ولي الدم بصفته رئيسًا للبيت الأموي٣.

العقل:

وكما يتضامن ذوو القربى والأرحام في الأخذ بالثأر، كذلك يتضامنون في العقل -والعقل هو توزيع وجمع الدية عن قتيل- إذا تم صلح أو حكم قاضٍ بدفع الدية


١ ابن هشام ٢/ ٢٨٢- ٢٨٣. ابن الأثير ٢/ ٩٠.
٢ ابن هشام ٤/ ١٦- ١٧. ابن الأثير ٢/ ١٦٣.
٣ ابن كثير، البداية والنهاية ٧/ ٢٢٧، ٢٥٦.

<<  <   >  >>