للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والكف عن الثأر بالدم -فيجمع ذوو القربى والأرحام هذه الدية، التي تدفع كذلك إلى أهل القتيل الذين هم ذوو رحمه وقرباه، والذين تجعلهم تقاليد عصبية الأرحام القريبة أصحاب الحق بدمه، فتوزع الدية عليهم، كما يشير القرآن الكريم إلى ذلك {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء] ١ وهذه الآية تلهم وجود هذا التقليد على الوجه الذي أشرنا إليه، وبخاصة وهي توجب تسليم الدية إلى أهل القتيل. وهو تعبير يمكن أن يكون أوسع نطاقًا من أب أو أم أو أخ أو ابن.

٢- عصبية القبيلة:

كان أفراد القبيلة ببطونها وعشائرها يتضامنون تجاه القبائل الأخرى في الحروب والدماء، والدفاع عن المصالح والتبعات المشتركة، ويتناصرون حسب الشعار القبلي "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا" ويتعاونون على المغارم، فكل فرد في القبيلة يرى أن الاعتداء على فرد منها إنما هو اعتداء واقع عليه، وأن من واجبه أن ينتصر له ويدفع عنه، أو يأخذ بثأره إذا قتل ممن اعتدى عليه أو من أي فرد من أفراد قبيلته، وإذا نشبت حرب يين قبيلتين تضامن أفراد كل قبيلة في الدفاع والهجوم مهما كان الباعث على هذه الحرب، حتى ولو كانت ميولهم وعواطفهم متباينة. وفي القرآن الكريم آيات كثيرة يمكن أن نستخلص منها ما كان للعصبية القبلية من شأن كبير في المجتمع العربي، ظهر أثره في الصراع بين مكة والمدينة في أيام النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد كان في المدينة منافقون ومشركون لم يمنعهم أن يشاركوا المسلمين في القتلال أنهم كانوا يخالفونهم في الدين وفي الميول، وذلك بدافع العصبية القبلية. وتشير الآية {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لاتَّبَعْنَاكُمْ} [آل عمران] إلى أن بعض المسلمين قد ذكر المنافقين بأنه لا يجوز لهم أن يخذلوا قومهم، وأنهم إن لم يقاتلوا في سبيل الله ففي سبيل الدفاع استجابة لداعي العصبية القبلية، وكان


١ أسد الغابة ١/ ٩٩ "حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: إن عمر كان يقول: الدية على العاقلة لا ترث المرأة من دية زوجها، حتى أخبره الضحاك بن سفيان الكلابي، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتب إليه أن ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها".

<<  <   >  >>