للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جوابهم أنهم لو تأكدوا من وجود القتال لتضامنوا معهم١ كذلك تذكر الروايات أن رجلًا يدعى "قزمان" قاتل يوم أحد قتالًا شديدًا وقتل عددًا من المشركين، حتى إذا خلصت إليه الجراح وسقط حُمل إلى أحد الدور، وعاده بعض المسلمين وقال له أحدهم: "أبشرْ يا قزمان فأجابه: بماذا أبشَّر! فوالله ما قاتلت إلا عن أحساب قومي"٢.

وقد كانت بعض بطون من القبائل الضاربة حول المدينة تريد مسالمة المسلمين والدخول في عهدهم، ولكنها كانت يصيبها الحَرج، فتشترط حسن الصلة مع المسلمين على ألا تتضامن مهم ضد قومها أو ضد حلفاء قومها، وإلى هذا تشير الآية القرآنية {إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} [النساء] ٣.

فالعشيرة كانت تدين بالولاء للقبيلة ولا تخرج عليها لظروف قاهرة، كما أن القبيلة كانت ملتزمةً بتأييد عشائرها، فإذا حدث خلاف فإنه كان من الممكن أن توقع القبيلة جزاءً على العشيرة فتخرجها أو تقاطعها، كما حدث في مقاطعة قريش لبني هاشم، وقد تعلن القبيلة هذا القرار بالنسبة للعشيرة كما كانت تعلن قرار الخلع بالنسبة للأفراد، وقد يحدث أن تكتب بذلك صحيفة. وقد سقنا هذه الأمثلة عن الحالة قُبيل ظهور الإسلام لأن ذلك أوضح وأثبت، مع أنه يمكن الإتيان بأمثلة كثيرة من أيام العرب وما كان يحدث بين بطونها من منافساتٍ وخلافاتٍ تجعل البطن أو العشيرة يخرج من القبيلة أو أن القبيلة تخرجه.

كل هذا يدل على قوة العصبية القبلية وأنها كانت راسخةً قويةً، واحتاج المسلمون للقضاء عليها إلى تحذير شديد من جانب القرآن وإلى تكرار الآيات التي تنتهي عنها، ومع ذلك ظلّت آثارها زمنًا طويلًا أثّرت تأثيرًا خطيرًا في حياة الدولة الإسلامية بعامة، والعنصر العربي فيها بنوع خاص.

٣- عصبية الأحلاف القبلية أو الأحزاب:

كثيرًا ما كانت تقوم بين القبائل مخالفاتٌ ومواثيق لتقف صفًّا واحدًا متساندًا أمام بعض الدواعي، فتنشأ الأحلاف بين القبائل لصيانة المصالح المشتركة أو لضرورة السلم


١ تفسير الطبري ٧/ ٣٧٨- ٣٧٩.
٢ ابن هشام ٣/ ٣٧- ٣٨.
٣ انظر أسد الغابة ١/ ٨٩.

<<  <   >  >>