للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بين المتجاورين أو عن طريق المعاهدة بين رجالها؛ فتنشأ بذلك عصبية بين هذه القبائل المتحالفة تدفعها إلى التضامن في الحروب والتعاون في تبعات الدماء١.

وكان الحلف بين القبائل قد يستمر جيلًا بعد جيل ولا ينقضي إلا بسبب أحداث جسيمة وعندئذٍ يصبح صلة لاحمة بين القبائل المتحالفة. وقد استمرّ هذا النوع من التحالف وتبعاته إلى ما بعد البعثة النبوية. وقد ورد في القرآن آيات كثيرة تتحدّث عن الأحزاب والمخالفات: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [الأحزاب] . وتعني هذه الآية قريشًا وحلفاءها من القبائل التي تحالفت معها على غزو المدينة في موقعة الخندق. كما أن اليهود في المدينة كانوا متحالفين مع العرب فيها قبل الإسلام، بعضهم حالف الأوس وبعضهم حالف الخزرج ووقف كل فريق مع حليفه في الحرب بالرغم من تعارض هذا مع أحكام التوراة، وقد ندّد القرآن بموقفهم هذا وعيّرهم بمخالفتهم للتوراة في قتالهم بعضهم جريًا وراء مصالحهم الذاتية التي يجلبها الحلف القبلي٢ كما أن هذه المحالفات قد ظلّ أثرها بعد الهجرة، حيث ظل الأوس والخزرج متمسكين بحلفهم مع اليهود. وتشير بعض الآيات إلى هذا التمسك٣، كما تشير إلى ثبات المنافقين من أهل المدينة في تحالفهم هذا ووعدهم اليهود بالمناصرة إذا قوتلوا وبالتضامن إذا أخرجوا {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ} [الحشر] . ولم يكن هذا مقصورًا على المنافقين بل ظلّ بعض المؤمنين متأثرين به بالرغم من موقف اليهود تجاه الإسلام، ولعل هذا سبب من أسباب صبر النبي -صلى الله عليه وسلم- على اليهود بالرغم من لجاجهم معه وظهور العداوة منهم، وذلك لعوامل الحلف التي كانت تربط بينهم وبين الأوس والخزرج، حتى يستقرّ الإسلام في يثرب ويصبح سلطانه على النفوس أقوى من سلطان


١ انظر ابن الأثير ١/ ٢١٠ وما بعدها. العقد الفريد ٥/ ١٣٣ وما بعدها "عن أيام العرب ويه ذكر لمحالفات القبائل" كذلك الأغاني ٢/ ٢٤٢- ٢٤٣، ٣١٦، ٣/ ٣٨.
٢ انظر سورة البقرة ٨٤-٨٥.
٣ انظر سورة آل عمران ١١٩.

<<  <   >  >>