للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحلف، مما استدعى تشديد النهي عن موالاة اليهود في آيات متعددة١. كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد عقد كثيرًا من المحالفات بينه وبين القبائل العربية الضاربة حول المدينة وبينهما وبين مكة، كما تحالف مع اليهود. ومما يلفت النظر في المعاهدات التي وقعها النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان بعضها لمدة معينة كما يشير القرآن إلى ذلك في قوله تعالى: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة] ٢. ولعله لاحظ فيها تطور الدعوة الإسلامية وإمكانياتها المقبلة.

على أن عصبية التحالف القبلي، ليست أصلية، إذ أنها حالة طارئة اقتضتها ظروف المصلحة المشتركة، وذلك على عكس عصبية الأرحام أو العصبية القبلية فإنها عصبية أصلية تستمد وجودها من القرابة والدم، والمصلحة المتحدة الطبيعية بين أبناء القبيلة الواحدة الذين يكونون في الغالب من أرحام وقربى وإن تباعدت في النسب، ثم بين أبناء العشيرة الواحدة الذين تجمعهم صلة الدم والرحم القريبة.

وعلى هذا فالعصبية في قوة التأثر بها والاستجابة إليها من عصبية الأسرة، إلى عصبية العشيرة، إلى عصبية الفخذ، إلى عصبية البطن، إلى عصبية القبلية، إلى العصبية الناشئة عن الحلف٣ وهذا التفاوت في قوة العصبية والتأثر بها والاستجابة لها متسق مع طبائع الأشياء، وقد جرى الإسلام حين جاء على هذا الأساس، فقد كلف النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتدرج في دعوته من عيشيرته الأقربين، وهم أمسّ به رحمًا والمظنون أن يكونوا أقرب استجابةً له، ثم لينذر أمّ القرى "مكة" ومن حولها "العرب" ثم الناس جميعًا.

ونحن إذا نظرنا إلى القبائل من ناحية الترابط المتبادل بينها فإننا نخطئ إذا اتهمنا العرب بالفردية، والمجتمع العربي بالجمود والتشتت، فالواقع أن القبائل كانت متصلةً متداخلةً، وكذلك كانت متحركةً متقلقلةً، لا تكاد تتخذ شكلًا معينًا حتى يعرض لها من ضرورات الصلة والجوار ومؤالفة المجتمع ما يجعلها تندغم في غيرها، أو تدخل معها


١ انظر سورة آل عمران ٢٨. انظر تفسير الطبري٦/ ٣١٤. وسورة آل عمران ١١٨- ١١٩. وسورة النساء ١١٤. وسورة المائدة ٥١.
٢ وانظر سورة الأنفال ٥٥، ٥٦، ٧٢. التوبة ١/ ٧٤. ابن هشام ٢/ ٢٢٤، ٢٣٦.
٣ انظر ابن خلدون المقدمة، ص١٤٤، ١٤٥.

<<  <   >  >>