للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في شكل معين من الحلف أو الجوار، فقد كانت هناك حركة نشيطة فيما بين أفراد القبائل، كما كانت حركة نشيطة فيما بين القبائل نفسها؛ تلتقي، وتتباعد، ويؤلف ببينهما الحلف أو الجوار، كما تفرقها العدوات والحروب. على أن تقليد التضامن الاجتماعي والعصبية كان ركنًا من أركان حياتهم الاجتماعية، بل أقوى أركانها. على أن العصبية الاجتماعية سواء منها عصبية الأرحام أو عصبية القبلية أو عصبية التحالف، حاجة طبيعية في حياة الأمة التي تعيش في طور البداوة بوجه عام؛ لأنه لا يمكن حفظ التوازن والحقوق والدماء في هذا الطور بدونها. ولقد أخذت عصبية التحالف في الازدياد قبيل البعثة النبوية أي في أواخر العصر الجاهلي، فقد أخذت القبائل تتكتل في مجاميعَ كبيرةٍ، وكان هذا إحساسًا من القبيلة العربية بأنها لا تستطيع أن تعيش في مجالها الضيق، وأنها بحاجة إلى غيرها من القبائل التي تؤاخيها وتربط مصيرها بمصيرها، وكان هذا الميل إلى التحالف والتجمع مسايرًا للنهضة العربية التي بدت تباشيرها في القرن الأول قبل البعثة وشملت الحالة السياسية والدينية والفكرية عند العرب، والتي مهدت لظهور النهضة الكبرى التي جاء بها الإسلام بعد ذلك.

عصبية التقاليد:

كان العرب يتعصبون لتقاليدهم وموروث عاداتهم تعصبًا شديدًا، يرون في ذلك فضيلة لا معدى عنها، وجزءًا لا ينفصل من حياة المجتمع، ولو أدّى إلى الحرب وإراقة الدماء والمواقف المهلكة، وقد بلغ من قوة العصبية للتقاليد، أن أصبحت عندهم دِينًا يرون الأخذ من أمر الله {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف] ١ {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ} [البقرة] ٢.


١ تفسير الطبري ١٢/ ٣٧٩.
٢ وانظر سورة لقمان ٢١. تفسير الطبري ٣/ ٣١٧، ١١/ ١٣٧.

<<  <   >  >>