أثّرت هذه الضحية التي أحدثتها قريش في المسلمين أنفسهم في المدينة، حتى احتاج الأمر إلى بيان من القرآن الكريم، يوضّح الموقف ويردّ على دعاية قريش١.
ومن قوة التعصّب للتقاليد نستطيع أن ندرك الحكمة في الإبقاء على كثير من التقاليد التي كان عليها العرب قبل البعثة. وسواء ما كانت منها متصلًا بحياة الناس الاجتماعية والعائلية أو ما كان له صبغة دينية؛ فقد كانت التقاليد راسخة بحيث كان الناس يعتبرونها جزءًا من كيانهم الاجتماعي الديني. وكان إلغاؤها يمكن أن يحدث كثيرًا من العقبات في سبيل انتشار الدعوة الإسلامية، لذلك تدرّج التشريع الإسلامي فألغى ما لا بد من إلغائه مما يتعارض مع جوهر الدعوة وأهدافها، أو كان فيه فحش ينبو عن الذوق الحسن، أو كان متنافيًا مع المصلحة العامة كالزواج من زوجة الأب والجمع بين الأختين والزنا والتخادن والمسافحة، والطواف العاري بالكعبة والذبح للأنصاب، وحرمة صيد البحر عند الإحرام، واكتفى بتهذيب الباقي تهذيبًا يجعله مفيدًا ومنسجمًا مع أسس الدعوة الإسلامية وأهدافها، أو غير متناقص معها، وكذلك تدرّج في التحريم -مثل تحريم الخمر- حتى لا يصطدم التشريع بتقاليد الناس وراسخ عاداتهم اصطدامًا شديدًا، كذلك وضع من الأسس ما يسمح بالتصرف بما يكون هو الأصلح كالاكتفاء بزوجة واحدة لعدم استطاعة العدل بين الزوجات المتعددات. كذلك يجعل أمر الأسرى للسلطان يَمن عليهم أو يفاديهم، حتى يقضي على الرق في المستقبل.
فنحن إذن أمام بيئة محافظة تحرص على التمسّك بعرفها القديم وتدافع عن وتستميت في هذا الدفاع حفاظًا على كيانها.
أثر العصبية في المجتمع العربي من الناحية السياسية
إذا كانت العصبية ذات أثر شديد من الناحية الاجتماعية في حفظ التوازن بين الجماعات القبلية التي يتألف منها المجتمع العربي وفي إقامة الروابط بينها، وفي دفع
١ انظر سورة البقرة ٢١٧- ٢١٨، وتفسير الطبري ٤/ ١٩٩- ٢١٦. وابن هشام ٢/ ٢٤٠-٢٤٢.